يا جماعة الخير

لا تبطئ سرعتك عند «الكاميرا»

مصطفى عبدالعال

لو أني دعمت سيارة في موقفٍ من دون وجود صاحبها، أو خالفت مخالفة بلا شاهد وبوسعي الفرار بعملتي ويتحمل غيري نتيجة خطئي، فهل عندي من الاحترام لنفسي والالتزام الخلقي ما أجرؤ به على الوقوف والاعتراف بخطئي؟

وهل التزامي بقواعد المرور يكون خوفاً من دفع الغرامات؟ أم خوفاً من إيذاء النفس والغير؟ أم احتراماً لقواعدٍ لو التزمنا بها يأمن كلٌ منا على نفسه ويأمنه غيره؟ أم أن دوافع الالتزام هي كل ذلك معاً من منطلق احترام الإنسان لذاته وللمجتمع؟

وفي إحصاءات الدولةِ عن الحوادث المرورية التي بلغَتْ 7615 حادثاً فِي عام 2010 ونتجتَ عنهَا 9032 إصابة، وتسببَتْ فِي 826 حالةَ وفاةٍ، غير إتلافٍ للممتلكاتِ، وإضرارٍ بالمرافقِ العامةِ، وإضاعةٍ للمالِ، هل أدرك كل مخطئ فيها خطأه وأقر به وتحمله؟ أم أن الاعتماد على التأمين يبيح الاستهتار بكل شيء، حتى بأمن الناس على الطريق؟

هي قضية من قضايا السلوك والمواطَنة الصالحة أخطر أثراً من أضرار الحوادث نفسها.

على عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مَر مسافرٌ يركب جملاً ببستان فجلس ليستريح تحت شجرة فيه، فسرح جمله وأكل من البستان وأفسد بأقدامه بعض الزرع، فثار صاحب البستان ورمى الجمل بحجر فمات، لم يملك صاحب الجمل نفسه فحمل الحجر وقذف به قاتل جمله فمات، وقف المسافر الغريب مذهولاً، فأمسك به أولاد القتيل وتجمع الناس واقتادوه إلى أمير المؤمنين، وهناك اعترف بجريمته، وأهل القتيل رفضوا الدية فقضى عمر بالقصاص، استسلم الرجل، لكنه طلب إمهاله ثلاثة أيام ليرجع إلى أهله ويخبر أبناءه بثروة مدفونة لا يعلمها سواه، فسأله عمر: ومن يضمنك؟ فنظر الرجل في الحاضرين وتعلق نظره مستنجداً بسيدنا أبي ذر الغفاري، فبادر أبوذر لنجدته فضمنه. حدد له عمر ثلاثة أيام، وتوعد إن غابت شمس اليوم الثالث ولم يعد لَيقتصن من أبي ذر، فوافق أبوذر، وتنفس الرجل الصعداء، فسمح له عمر بالرحيل.

ثلاثة أيام وحديث الناس عن أبي ذر وضمانه وعن القاتل وروغانه، واقترب غروب اليوم الثالث وتجمع الكل بمجلس القضاء ينتظرون بقلق ماذا سيفعل أمير المؤمنين بأبي ذر الذي شهد له النبي بقوله: «إن في جوف أبي ذر من حرارة الإيمان ما يغلب حرارة الشمس».

لكن قبيل الغروب بلحظات رأى الناس شبح الرجل قادماً من بعيد، واقترب وعليه آثار الإعياء من السفر، فكبّر الناس وهللوا فرحين لأبي ذر متعجبين من عودة رجلٍ طواعية لينفذ فيه القصاص، فبادر عمر الرجل بقوله: لم حضرت وقد كان بإمكانك أن تهرب؟

قال الرجل: خفت أن يقال ذهب أهل الوفاء.

فقال عمر لأبي ذر: وأنت لماذا ضمنته وأنت لا تعرفه؟ فقال: رأيت صدقه وصلاحه، فلما استنجد بي خفت أن يقال ذهب أهل المروءة. هز الموقف مشاعر الحاضرين حتى ذرفت دموعهم وإذا بأبناء القتيل يقولون: ونحن عفونا وتسامحنا حتى لا يقال ذهب أهل العفو عند المقدرة.

لا تبطئ السرعة قبل «الكاميرا» ثم تسرع، فليس هذا من المروءة ولا الوفاء بالعهد.

 المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر