أبواب

محمد المرزوقي

لا يمكن لمن يقرأ سورة الكهف أن يتجاهل فلسفة الثّورة التي يعرضها السياق القرآني، وما تطرحه السّورة من أبجدياتٍ للثورة التّصحيحيّة التي عبّر من خلالها أهل الكهف عن رفضهم التام لممارسات قومهم. ولاقوا بسبب ذلك ما لاقوه من اضطهاد اضطرهم في النّهاية إلى البحث عن كهف يأوون إليه. تُجسّد قصّة أهل الكهف «التّضحية» كأبرز ملمح ضروريّ للثّورة على مدى العصور، التّضحية بالحياة السّابقة واللاحقة، والعيش في كهفٍ مظلم بعيداً عن الظالمين.

التّضحية هي العصا التي تتوكأ عليها الثّورة لتعيث في ما حولها الدّمار، فكل ثورة هي بالضّرورة فعلٌ تدميري، إنّها فعل مكرّس لتدمير الفساد! ذلك الفساد السّياسي والاجتماعي والثّقافي الذي لا يفهمه النّاس عادة، ويظنّونه نعيماً يستوجب منهم الشكر والحمد.

الثّورة لا تدمّر حقاً بالمعنى التّقليدي للدّمار، وكلّ ما تفعله هو أنّها تهزّ الطّاولة لتتساقط قطع «الدّومينو»، ويتأكّد النّاس أنّ تلك القطع المرصوصة على طول الخارطة لم تكن ثابتة بشكلٍ كاف، وأنّ سقوط قطعة واحدة كان كفيلاً بأنّ تهتزّ بقيّة القطع وتبدأ بالسّقوط تباعاً.

الثّورة هي ذلك الذّئب الصّالح في قصّة «ليلي ذات الرّداء الأحمر» الذي لا يريد افتراس ليلى، ولكنّه يريد أن يوضّح لها أنّ جدّتها ذات الـ80 عاماً قد تكون فاسدة وكاذبة. فالغابة جميلة وكبيرة وبها متّسع لأن تحيا 80 مليون ليلى أخرى حياة كريمة فوق خطّ الفقر والبطالة والمرض، وأنّ جدّتها عندما حذرتها، بخبثٍ بالغ، من البقاء في الغابة والعودة إلى منزلها، كانت تريد أن تضمن استمرار ليلى في خدمتها ورعايتها وممارسة بقيّة طقوس الطاعة والولاء لسلطانها!

كم سيكون الأمر رائعاً لو كانت جميع الثّورات تتمّ بالطريقة نفسها التي تمّت بها ثورة أصحاب الكهف، وكم هم محظوظون أصحاب الكهف، آمنوا بربّهم فزادهم هدى، ثمّ ناموا واستيقظوا، ليجدوا أنّ التغيير والإصلاح قد تمّا وهم في سابع «نومة»!

في مصر، كان ملايين الفتية يقضون الليل بعيداً عن منازلهم، أربعة ملايين وخامسهم «همّهم»، يخلدون للنّوم داخل خيام بلاستيكية، على أرصفة ميدان التّحرير وأمام دبّابات الجيش! ولكن عندما يستيقظون يكتشفون أنّهم ليسوا من أهل الكهف على الإطلاق، لسبب بسيط، هو أنّ الأوضاع العامّة كانت تزداد سوءاً وتدهوراً. ربما لأنّه لا يوجد كهف يتّسع لأربعة ملايين إنسان، ولا يوجد كهف يفقد فيه الزّمن قيمته ومعناه، وتنتكس مفاهيمه، وينام المرء فيه سنين عدداً، بينما يتغيّر النّظام في الخارج!

خصوصاً إذا كان هذا النّظام كالجاثوم، يجثم على صدر الملايين، ويطبق على أجسادهم، ويخنق أنفاسم/ أحلامهم، وبخلاف الجاثوم الذي يأتي بشكلٍ مؤقّت ويرحل، فإنّ هذا النّظام موجودٌ باستمرار، ولا خلاص منه إلا بالثّورة عليه لتغييره!

عندما أراد الشّعب المصري أن يغيّر النّظام في المرحلة الأولى كان سلاحه الطّوب في أحداث (18 و19 يناير 1977)، وفي المرحلة الثّانية استخدم العصي في أحداث (يونيو 1981) في الزّاوية الحمراء، وفي المرحلة الثّالثة لجأ إلى الرصاص في حادث المنصّة!

أمّا في المرحلة الرّابعة (11 فبراير 2011)، فكان كل ما يحتاج إليه الشّعب المصري للفكاك من النّظام، هو أن يستيقظ من النّوم.. ليختفي الجاثوم إلى الأبد!

almarzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر