كل جمعة

هواء عربي..

باسل رفايعة

العالم يزداد اتساعاً، ونحن نضيق، حالنا حال سجين في غرفة دهمتها الرياح، من دون هوادة، وفتحت نوافذها بقوة، فسارع إلى غلق كل ممر ممكن للهواء، حتى يكاد يختنق، فيما هو يظن أن الهواء الموجود في الغرفة يكفيه ليتنفس اليوم، أمّا غداً، فتلك قصة أخرى، أو زمان آخر.

حال سجين الغرفة هو حال البلاد العربية المتقدمة جداً في منع «الإنترنت» عن الناس، فهي تظن أن المواقع التي حجبتها في مجالها الافتراضي تجلب الضرر على الصحة العقلية للشعوب التي أنفقت عقوداً طويلة في تربيتها على الطاعة المطلقة، وهذه الشعوب لا يجوز أن تستهلك المعرفة الإنسانية وفق مشيئتها، بل لابدّ من محددات، ونوافذ ضيقة، تسمح بالقدر المطلوب رسمياً من الهواء والأفكار.

كانت السلطات العربية تظن أن هذه السياسة ناجحة، أو مقبولة نوعاً ما، وكانت ترى شعوبها تختنق، فتسعفها ببعض الأكسجين لتمرّ الأزمة مؤقتاً، ثم حدث ما لم يكن في الحسبان في غرفة صغيرة من البيت العربي، وتحديداً في الجناح الغربي منه، إذ بلغ الاختناق أقصى حدوده، فتحركت تونس ذات عربة خضار، وقررت أن تفتح النوافذ على اتساعها للهواء والأفق والحرية.

فتحت تونس النوافذ، ولم تصغ للجلاد الذي كان يتوسلها، ويؤكد لها أنه سيرفع القيود عن «الإنترنت»، ويتكرم على التونسيين بالسماح لهم بتصفح موقعي «فيس بوك» و«تويتر»، لكن أوان التوسل فات، ولم يعد كلّ من في الغرفة يقبل بأقل من هواء كامل الانتعاش، لا تحده الجدران ولا النوافذ.

العالم يزداد اتساعاً، ونحن نمنع «الإنترنت» عن الفضاء العربي، بمسوغات لا تليق بالقرن الـ ،21 ولا بالأجيال العربية الجديدة، ولا بثورة الاتصالات التي أطاحت مفاهيم وثقافات وعروشاً، فالمنع يفشل دائماً في تحقيق أهدافه، والممنوع يجلب التأييد والتعاطف، بغض النظر عن قيمته ومعناه.

تحجب معظم السلطات العربية مواقع المعارضة السياسية وصحفها الإلكترونية وأنديتها وحوارات خصومها من النخب الثقافية، من أجل تغييب آرائهم أو تحجيمها، فتفشل في ذلك أولاً، لأن كسر الحجب بات أمراً سهلاً جداً من الناحية التقنية لأي مبتدئ في استخدام الكمبيوتر، فتطبيقاته متوافرة، وتوزّع في كل لحظة على «الإنترنت»، كما أن السلطات تقدم خدمة مجانية لمعارضيها وتمنحهم مزيداً من التعاطف والتأييد، ومزيداً من الإقبال على حصونهم في الشبكة، فتكون أول الخاسرين، لأنها كسبت عداوة فئات كثيرة محايدة، أو غير مهتمة، اصطفت مع خصومها، رفضاً لفكرة المنع، وليس قناعة بما تقول المعارضة، بالضرورة.

كذلك، تمنع معظم البلاد العربية المواقع والمدونات الفكرية للمثقفين والمدونين اليساريين والليبراليين، لئلا تنفتح النوافذ على جدل الديمقراطية والحقوق المدنية والسياسية. وهذا أيضاً يشبه من يجدّف في الفراغ، ويبحث عن الشاطئ، فالتقنية تطرح المشكلة والحلّ معاً، وكلما أتاحت «الخوادم» الكبرى لشركات الاتصال سيطرة جديدة على فضاء المعلومات، بددها مراهق أو مراهقة بأقل جهد، وأقلّ ضجر.

baselraf@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر