كل يوم

كيف نردم الفجوة؟

سامي الريامي

لم أكن أتخيل أنها معضلة، لكنها فعلاً كذلك، كما بدا لي من ردود الفعل على مقال أمس، الذي تحدثت فيه عن ضرورة التحدث مع الأطفال في الأمور الخطرة التي قد يواجهونها في المجتمع، خصوصاً في ظل المشكلات المتتالية التي نقرأ ونسمع عنها بشكل شبه يومي.

صديقي العزيز (بومحمد) اتصل معاتباً نشر كلمات من نوع اغتصاب أو هتك عرض، لأن ابنه محمد الذي يبلغ 12 عاماً من عمره، ينقض عليه بالأسئلة عن معاني هذه الكلمات، وهو بالتالي يشعر بحرج شديد ولا يعرف كيفية الإجابة عليه، وبالتأكيد كثيرون جداً هم من فئة (بومحمد)، ولا أحد يمكن أن يلومهم على ذلك، فالقضية فعلاً حساسة ومعقدة، والتعامل مع الأطفال أمر صعب، ولا يمكن التنبؤ بنتائجه، وفي النهاية هم مازالوا أطفالاً، لا يمكن لهم استيعاب المقصود بشكل غير مباشر، وكل معلومة تقودهم إلى سؤال أصعب على ولي الأمر من سابقه، ولا يعرف أولياء الأمور كيفية التعاطي معهم في ما يتعلق بهذه القضايا تحديداً، خصوصاً أن هناك خيطاً بسيطاً بينها وبين انتشار ثقافة الممنوع والمحرم والعيب وقلة الأدب أحياناً!

في مقابل هذه الفئة، كانت تلك الرسالة الهاتفية التي تلقيتها، صباح أمس، من ولية أمر تقول فيها «أعتقد شخصياً أن موضوعاً كهذا لا يجب نشره في الصحف فقط، بل لابد من دمجه في المنهاج الدراسي للأطفال والطلبة، وفقاً لأعمارهم، فأولياء الأمور ليسوا جميعهم على القدر ذاته من الوعي والعلم بمسألة كيفية إفهام الطفل أموراً كهذه في مختلف المراحل العمرية، وواقع المجتمع اليوم غير واقعه أمس، ومسألة الخلل في التركيبة السكانية تستدعي تطوير مناهج التعليم بما يتناسب مع متغيرات المجتمع».

رأي صائب بكل تأكيد، وهو الأقرب للعقل والمنطق، هناك مشكلة معقدة اتضحت صورتها، تتمحور حول وجود فجوة حقيقية بين الأبناء وأولياء الأمور، خصوصاً في المراحل العمرية الأولى، فجوة تتركز في الحوار حول قضايا ينظر إليها المجتمع ببالغ الحساسية، ترى كيف يمكن للطفل أو المراهق أن يتعلمها بعيداً عن أهله؟ كيف يمكن أن يكوّن ثقافة تحميه وتنوره وتجعله على دراية بكل حركة غير طبيعية تصدر من أي شخص؟ إن لم يتعلم ذلك في البيت أو في المدرسة فأين سيتعلمه؟ مادام هناك خلل واضح في البيت، أو في معظم البيوت، فالمدرسة هي الحل العلمي الأمثل لتعليم الأطفال منذ المراحل الابتدائية الدنيا كل ما يستعصي على الأهالي تعليمه أبناءهم.

طبعاً لا نطالب «التربية» بانتهاج المنهج الألماني للصف الثاني الابتدائي، الذي يشرح عملية الحمل والولادة كاملة من البداية وحتى النهاية، مدعومة برسومات توضيحية شديدة الوضوح، لأن مجتمعنا وتقاليده وموروثاته لا تحتمل مثل هذه الأمور حتى وان كانت علمية، لكن على أقل تقدير ضخ مواد تعليمية بجرعات مختلفة عن كل أمور الحياة بشكل يوفر الحد المعقول من المعرفة الجنسية والحياتية تحت إشراف خبراء في التربية والطفولة، ربما في هذه الخطوة ترفع الوزارة الحرج عن أولياء الأمور الذين سيكون دورهم مكملاً لدور الوزارة، وبذلك نضمن توعية وتثقيفاً علمياً لأبنائنا يتناسبان مع مراحلهم العمرية.

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر