أبواب

حفلات توقيع الكتب.. نموذج ليس إلا!

يوسف ضمرة

في الغرب، بدأت هذه الظاهرة مع نجوم الكتابة، الذين يرغب القارئ في اقتناء مؤلفاتهم، بالنظر إلى ما بلغوه من درجات الشهرة والتأثير في القراء على المستوى القومي. وكعادتنا ـ خصوصاً دور النشر العربية ـ تلقفت هذه الظاهرة، وبدأت ببعض النجوم العرب الذين يمكن اعتبارهم كُتاباً جماهيريين، من حيث التسويق والمبيعات والقراءة، ما يعني رغبة القارئ في اقتناء كتبهم ومؤلفاتهم، والحصول على توقيعاتهم، ولكن الأمر تطور مع مرور وقت قصير جداً، إذ أصبح الكُتاب العرب كلهم يلهثون لتنظيم حفل التوقيع، بصرف النظر عن عدد النسخ التي سوف يبيعونها، فالمهم أننا طورنا حفل التوقيع إلى ندوة نقدية، يأتي فيها الكاتب بأحد أصدقائه النقاد، ليقرأ علينا تقريظاً غير مسبوق، ثم تتبارى الصحف المحلية والعربية أحياناً في نقل الخبر وتوسيعه وتبهيره، وهذا كل ما يحتاج إليه الكاتب العربي.

لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد أخذنا نسمع ونقرأ عن حفلات توقيع للكتب الأولى لأصحابها، أي أن يصدر كاتب ما كتابه الأول، فتسارع إحدى المؤسسات الرسمية أو الشعبية إلى تنظيم حفل توقيع لهذا الكتاب. ولا أعرف كيف يمكن الإعلان عن حفل توقيع لكتاب هو الأول لصاحبه الذي لم يسمع به أحد، ولا أعرف ماذا يعني ذلك بالضبط!

المهم هو أننا نخلط الحابل بالنابل، فيتساوى لدينا أمل دنقل مثلاً، أو بدر شاكر السياب بأي شاعر ينشر ديوانه الأول، ويتساوى يوسف إدريس وغسان كنفاني بأي قاصٍ ينشر مجموعته القصصية الأولى، ويتساوى نجيب محفوظ بأي كاتب ينشر روايته الأولى، وكل ذلك من دون أن يكون القارئ أو المتابع العربي قرأ أو سمع باسم الكاتب الجديد.

ماذا يعني ذلك؟

إنه ببساطة شديدة مجرد استخفاف بالناس وعقولهم وذائقاتهم الجمالية، وإنه ببساطة شديدة خلط أوراق ـ ربما يكون متعمدا ـ لكي نساوي كل شيء بكل شيء.

ويبقى السؤال قائماً: هل تنحصر هذه الظاهرة في الثقافة والأدب عربياً؟

لا، فعملية خلط الأوراق قائمة ومستمرة ومتواصلة، كسمة أساسية من سمات المؤسسة الرسمية العربية، المؤسسة التي تريد أن تزرع في العقول معادلات ذات هدف واحد، فالموالي والمعارض متشابهان، والمسؤولون كلهم متشابهون، بصرف النظر عن التباينات، والمرشحون للانتخابات النيابية متشابهون في الأهداف والمواقف، وبذلك تضرب المؤسسة الرسمية أي أمل في تباين ممكن، قادر على إحداث التغيير في المجتمع.

والمشكلة هنا، هي أن من يعتبرون أنفسهم في صفوف المعارضة، يتماهون مع السلطة في كثير من الأحيان، إذ يستعيرون من هذه السلطة أدواتها الثقافية والمعرفية، سواء كان ذلك بقصد أو من دون قصد.

خلاصة القول، إن السلطة الرسمية لها ثقافتها المتمثلة في خلط الأوراق، لكي ترسخ مفاهيم مغلوطة عن الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي القائم. وهي بذلك تشكل وعياً زائفاً قوامه أن كل شيء في المجتمع يشبه كل شيء آخر، أي أنه لا سبيل إلى أي تغيير سوى ما تقوم به هذه المؤسسة الرسمية، لأنها هي الأدرى بشؤون الناس وشجونهم، أكثر من أولئك الذين يتشدقون بالتنظير من الخارج.

هكذا أخذت هذه الثقافة تنتشر في المجتمعات العربية، ووصلت إلى ما بدأنا به، كنموذج ليس إلا!

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر