يا جماعة الخير

والدان مقصّران نعم.. ولكن!

مصطفى عبدالعال

أمهات وآباء كثيرون مشغولون ـ لا بالعمل كي نعذرهم ـ إنما بالأصدقاء وتقليب الفضائيات والإنترنت، تاركين فلذات أكبادهم للخدم ومن يلوذون بهم من أصدقاء السوء يعيثون في أفكارهم وأجسادهم فساداً، فهل يستحقون بر أبنائهم بعد أن دُمّرت حياة الأبناء بسببهم؟ سؤال يدور في أذهان كل الأبناء الذين يعانون تقصير آبائهم وأمهاتهم، ولأن الفطرة النقية تقتضي الولاء والمحبة للوالدين فإن صراعاً دامياً يمزّق أنفس هؤلاء الأبناء بين فطرتهم في الولاء للأبوين وضياع حقهم في الاحتواء منهما.

وهذا ما جعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ينصت لولد اتهمه أبوه بالعقوق،حيث سأله الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد على والديه حقوق كما لهما عليه حقوق؟ قال عمر: بلى، فقال: وما هي يا أمير المؤمنين؟

قال: أن يختار أمه، وأن يحسن اسمه، وأن يعلمه دينه، فقال الولد: ما اختار أمي فقد أتى بها تصلح لشهواته ولا تصلح لتربيتي، وما حسن اسمي فقد سماني جعراناً (حشرة)، وما علمني شيئاً من ديني «لأنه مشغول بنزواته»، فقال عمر للرجل الشاكي: لقد عققت ولدك قبل أن يعقّك.

أقر عمر بأن الوالد مخطئ ومقصّر في حق ولده، ولامه بهذه العبارة وأصبحت مثلاً يرد على كل والد أوصل ولده إلى جريمة العقوق، لكن أمير المؤمنين ما اقتص للولد من والده كعادته في الاقتضاء إليه، لأن قاعدة شرعية تحول دون ذلك، وهي وصية الله للولد ببر أبويه ولو كانا كافرين، وغني عن التعريف أن الكفر ترتبط به أمهات الكبائر، فليس بعد الكفر ذنب، وما اكتفى الشرع عندئذ بالنهي عن قطيعتهما، بل أمر بصحبتهما بالمعروف وخدمتهما بالإكرام والإحسان. فقال سبحانه {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدنْيَا مَعْرُوفاً وَاتبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَي ثُم إِلَي مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (لقمان 15)، لا تطعهما في الخطأ ولكن هذا لا يبرر لك العقوق، فكلاكما مسؤول بين يدي الله عن خطئه، بل قال الخالق: {وَاتبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَي ثُم إِلَي مَرْجِعُكُمْ} أي كن في طاعة الله مع المنيبين إليه ودع حساب الوالدين عليه عز وجل.

وقد وضعها الصالحون قاعدة في المعاملات يخاطبون بها كل من أسيء إليه من بشر، أياً كانت علاقته به قرباً أو بعداً، ويا ليت كل حريص على رضا ربه سبحانه يضعها نصب عينيه ويقولها لنفسه دائماً عندما يُساء إليه من شخص كان عليه أن يحسن لا أن يسيء، هذه القاعدة تقول: «إن عصى هو الله فيك اتق الله أنت فيه».. يا لها والله من قاعدة رائعة مريحة تثلج صدر المظلوم حين يتسامى عن معاملة ظالِمِه إلى معاملة خالقه، إيماناً بأن البر لا يبلى والذنب لا يُنسى والدّيان لا يموت.

وأجمل من ذلك أن يدعو لهما ويعاملهما كما طلب ربه {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذل مِنَ الرحْمَةِ وَقُل رب ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبيَانِي صَغِيراً}.

المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر