يا جماعة الخير

هب أنها مجنونة!

مصطفى عبدالعال

عبر البث المباشر شكت أمٌ اتهام أولادها لها بالجنون، وهم كبار، منهم المتزوج والمتزوجة، ومن خلال حديثها التفصيلي بذكر مواقفهم واتفاقهم عليها وإدخالها مستشفى الأمراض العقلية، ثم خروجها، ثم تهديدهم لها بإعادتها، يدرك المستمع ترابط أفكارها، وانسجام فهمها، وتفنيدها لدعاواهم عليها، مما يجزم بسلامة عقلها، ما حدا بالمذيع أن يُدخل فضيلة المفتي، جزاهما الله خيراً، على الهواء، الذي بدوره حذر من العقوق، وأنذر كل عاق بوعيد الله له في الدنيا بأن يسقيه من الكأس نفسها، فضلاً عن عقاب الآخرة.

تفاعل المستمعون عبر الإذاعة وخارجها، وبدهي أنه لا خلاف بين اثنين في شفقة أهل الود على أي أبناءٍ من هذا المصير، وحتى إن قيل إنها تأتيها نوبات جنون ونوبات إفاقة، وحديثها كان في نوبة إفاقة.

ومن هنا يأتي السؤال: هل جنون أحد الأبوين يسوغ لأحد الأبناء أن يتنصل منه أو يلقي به إلى دار رعاية على سبيل التخلص منه؟ فليسأل كل منا نفسه: أيرضى إن كان هو المصاب، لا قدر الله، أن تكون تلك معاملته؟ أم أنه يتمنى أن لو رزقه الله ولداً باراًأ يستر عليه ويحفظه من لعب الأولاد به، أو استباحة عديمِ ضميرٍ لحرمته، وربما لشرفها إن كانت امرأة ابتليت بعدم الإدراك؟ كم نرى أبوين اختبرهما الله بولد من ذوي الاعاقة، وإصابته في عقله، فكانا له بالفطرة خدماً وسترة وموئلاً وحماية، ولا يرد بذهن أحدهما يوماً الخلاص منه أو تمني موته، بل يقضيان العمر بحثاً عن تعويض نقصه. أوَما يكفي أن يُسقط الله عن فاقد العقل الحساب الأخروي؟ سبحانه إذا أخذ ما وهب (العقل)، أسقط ما أوجب.

مَن السعيد الذي يخدم امرأة من أهل الجنة؟ وكيف لو كانت أماً أو خالة أو عمة ولها حق البر ولو كانت كافرة؟

ولنقرأ في «البخاري»، أن عَطَاء بْن أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَباسٍ: أَلاَ أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنةِ؟ قُلْتُ بَلَى، قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ السوْدَاءُ أَتَتِ النبِي، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ إِني أُصْرَع، وَإِني أَتَكَشف، فَادْعُ اللهَ لِي. قَالَ «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنة، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَك». فَقَالَتْ أَصْبِرُ. فَقَالَتْ إِني أَتَكَشفُ، فَادْعُ اللهَ أَنْ لاَ أَتَكَشفَ، فَدَعَا لَهَا.

ومجرد الدعاء منه بعد الملاطفة إنما هو رضوان الله، لأنه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، والإجابة قرينة دعائه، فما حقها على أهلها وقد فعل رسول الله معها ذلك؟

إن أولاداً شكتهم أمهم على الملأ لهي والله علامة خير فيهم، لأن الله إذا أحب عبداً هيأ له باب إصلاح وتصالح، ولاشك في أن الصدى سيجعل خير هؤلاء الأبناء يطفو ويتصبرون ويتحملون أمهم على ما قد يكون فيها من عيوب، أليس يفهم من وصية النبي بالأم ثلاثة أضعاف الأب أنه يفترض أن يحدث منها ما يستدعي تحملها، وذلك لقلة حيلتها؟ فالأب بوسعه أن يترك البيت وسلطته غير محدودة، لكن الأم ليس بوسعها ذلك.

المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر