يا جماعة الخير

هل أنت مُصَور؟

مصطفى عبدالعال

ضمن احتفالات إماراتنا الحبيبة بذكرى الاتحاد نظّم برنامج «وطني» معرضاً للتصوير ومسابقةً لأبدع اللقطات، وعلى الرغم من اختلاف قدامى العلماء في حكم التصوير، فإن صاحبي وقف يكرر فتاوى عن حرمة التصوير (قيلت في ظروفٍ ومن علماء أجلاء، وقفوا عند النصوص تحفظاً واحتياطاً، وعدّلها تلامذتهم من العلماء المعاصرين)، ويستدل بأحاديث صحيحة تحرم التصوير، وتقطع بأن المصورين في قاع جهنم.

فسأله عابر سبيل: لو نظرت في مرآة أو نظرت من شرفتك فرأيت ما في الشارع من بيوت وأشجار وأشخاص أيتهمك عاقل بأن هذا حرام لأنها صورة؟ قال: لا. قال: فإذا استخدمت نظارة بينت لك ما هو أبعد من ذلك أيختلف الحكم؟ قال: لا. قال: فإن سُجل لك على ورق أو غيره واحتفظت به عندك، وإن أمكن نقله إليك عن بعد من خلال تقنيات وعدسات ثابته أو متحركة، كعدسات الحرم التي تربط قلوب المسلمين ببيت الله الحرام، أو مشاهدة مباراة أو لقاء سياسي في أقصى الأرض، أو حين تتعرف إلى مدن العالم الخارجي في قاراته الست عن طريق التصوير أيمنع الدين ذلك بتحريم التصوير؟ قال صاحبي: فهمتك، وكلامك معقول، لكن ما نقول في الأحاديث الثابتة؟ أجاب الرجل: إن أول صورة كاميرا في تاريخ البشرية باتفاق كانت للمصور nebs عام 1827م، أي 1242 هـ، والأحاديث قبل ذلك بثلاثة عشر قرناً كانت تحرّم تصويراً موجوداً فعلاً لا متوقعاً.

وقد ورد التصوير في القرآن ست مرات، قال تعالى: {هُوَ الذِي يُصَورُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء}، { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُم صَورْنَاكُم}، { وَصَورَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم منَ الطيبَات}، {هو اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَورُ}، { وَصَورَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِير}، { فِي أَي صُورَةٍ ما شَاء رَكبَكَ}. ومعنى التصوير فيها جميعاً واحد وهو الخلق بمعنى الإيجاد من العدم، وكان اللفظ يطلق على صناعة التماثيل التي تُصنع مضاهاةً لخلق الله، وهو ما وضحه النبي بقوله في ما روى احمد : « إِن الْمُصَورِينَ يُعَذبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ». ولذا لما زار بعض الصحابة سيدنا زيدا راوي حديث: « إِن الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ الصورَةُ»، ورأوا عَلَى بَابِهِ سِتْرا فِيهِ صُورَةٌ، تساءل أحدهم: أَلَمْ يُخْبِرْنَا زَيْدٌ عَنِ الصوَرِ يَوْمَ الأَولِ ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ رَبِيبِ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النبِى للسائل: أَلَمْ تَسْمَعْهُ حِينَ قَالَ إِلا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ ؟ رواه البخاري. والرقْمُ هو ما يُرسم على قماش أو غيره.

حتى القرام (الستارة) التي شغلت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته أقر أن تُقَطع وتوضع لوسادتين بالأرض، لأنها شغلته في الصلاة لا لأنها صورة مرقومة وإلا ما تركها في الوسائد.

لكن لا يخفى أن التصوير وإن كان تسجيلاً لما خلق الله فبدهي أن ما يحل النظر إليه يحل تسجيله ورؤيته، ثابتاً أو متحركاً، وأن ما لا يحل النظر إليه يحرم تصويره، لأن النظر إليه محرم لا لأن التصوير حرام.

قال صاحبي:لا أخفيك أني قرأت على «النت» فتاوى لكبار العلماء تجيز التصوير، وكان في النفس منها شيء، ولكن لن أكابر تعصباً، فجزاك الله خيراً.

المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر