5 دقائق

خليج مستغرب

علي آل سلوم

خلال عقود لا تحسب من أعمار الدول، تحولت الإمارات إلى الحياة الحضرية المعاصرة والمركبات الفارهة، وبينما كان أجدادنا يعيشون حياتهم يوماً بيوم، بهدف البقاء، نتمتع نحن بقيادة سياراتنا المكيفة للذهاب إلى مراكز التسوق المكيفة، إلا أننا قد نحتاج، أو ربما الأجيال المقبلة، إلى عودة إلى «حياة الإبل» ولو لوهلة قصيرة، لنتمكن من الاستمرار. للعلم، لست مستعداً لأن أتخلى عن سيارتي الرباعية الدفع، فالتطور جلب إلى حياتنا أموراً رائعة، لكن مواردنا لن تدوم إلى الأبد، ولابد أن نخطط ليوم ينضب فيه النفط، ومن هنا، لابد من الإشارة إلى أهمية تطوير القطاعات الأخرى، وأهمها السياحة والضيافة، لاسيما السياحة الثقافية.

أعتقد بأن دعوة المزيد من الغربيين إلى دولتنا وتعايشهم معنا أمر مفيد، خصوصاً مع تحول هؤلاء المقيمين في الدولة إلى سفراء لنا في دولهم، يحملون الصورة الطيبة للدولة وشعبها، واحترامنا للحضارات المختلفة، والتزامنا بعاداتنا وديننا.

قد لا يشاركني الآخرون تفاؤلي ونظرتي المشرقة للأمر، لاعتقادهم بأن دخول التأثيرات الغربية على الدولة قد يهدد طريقة وأسلوب حياتنا هنا. لا يمكن نكران مدى جهل بعض الجاليات الغربية بثقافتنا في منطقة الخليج، بطريقة تشكل تحدياً للشباب على وجه الخصوص، للحفاظ على أسلوب حياة الإماراتي الأصيل، خصوصاً مع تطور مشروعات عديدة مثل جزيرة السعديات، وجزر النخلة، التي ستجلب معها المزيد من التنوع الثقافي، لكن ذلك يتطلب أهمية تبيان مدى تفتح الدولة ومرونتها، وفي الوقت ذاته، مدى تمسكها واحتفاظها الفخور بالعادات والتقاليد وواقع أنها دولة إسلامية.

الحل لا يكمن في إغلاق الأبواب وعزل الدولة والشعب عن بقية العالم، الذي لم يعد بطبيعة الحال سوى قرية صغيرة لا يمكن إلا أن نكون جزءاً فاعلاً منها، بل يكمن في دعوة الإماراتيين إلى دراسة التخصصات المعتمدة على تعدد الثقافات، إضافة إلى الثقافة الإسلامية العربية والإماراتية، ومشاركة هذه المعرفة مع العالم، وتحويلهم إلى سفراء للدولة وخبراء في الإرشاد السياحي والثقافي. نحن بحاجة أيضاً إلى تقبل إيجابيات الغرب، والتوقف عن المبالغة في تهويل تأثيراته السلبية. فعندما قام والدنا المغفور له الشيخ زايد ببناء هذه الدولة الطموحة، حرص على دعوة الكثير من الأجانب إلى الإقامة فيها، وتحديداً الإخوة العرب، الذين أدخلوا أيضاً الكثير من ثقافاتهم وحضاراتهم إلى حياتنا، خصوصاً المطبخ الشامي الشهي وأطباقه، بينما يغرم الشعب الإماراتي بالأفلام البوليوودية، ويحرص على أن يقتنيها اقتناء السجاد الفارسي، كل ما في الأمر أن نأخذ من بقية الحضارات ما نرغب ونحب، ومن ضمنها ثقافة الغرب، ألا نصرخ جميعاً قائلين «جووووول»، مهما اختلفت جنسياتنا، عند دخول هدف في مباراة كرة قدم؟ أرجو أن نتمكن من رؤية المستقبل، لتقوية وتعزيز قيمنا، ونكون واثقين بقدرتنا على التعامل المرن مع ثقافتنا. ولو تمكنت كل عائلة من تربية أطفالها على الثقافة الأصيلة، والعودة إلى «الجمل»، بمعنى تراثنا ومعتقداتنا الحقيقية، فلا خوف عليهم من تأثيرات الغرب مهما كثرت، كل ما علينا هو التمسك بالجذور وفتح الأبواب للجديد.

ali@ask-ali.com

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 

تويتر