5 دقائق

نحن.. وهم

علي آل سلوم

خلال عملي الطويل مع الجاليات الأجنبية المختلفة في القطاع السياحي، أُواجَه بالعديد من الأسئلة التي قد تكون بديهية لدى كثيرين، ويأخذها البعض الآخر أمراً مسلّماً به، إلا أننا، عند تعاملنا مع الأجنبي، ومحاولتنا توصيل المعلومة الصحيحة له حول الثقافة والأماكن والتاريخ والمعتقدات الاجتماعية، عندها فقط، قد نتمكن من تذوق مميزات ثقافتنا وما نعيشه في حياتنا اليومية، كما تجعلنا تلك الحقيقة أكثر وعياً وتفهماً للفروق الاجتماعية والثقافية التي تفصلنا عن الغرب.

قبل الحديث عن تفاهم ثقافي بين الشرق والغرب، يكمن السؤال الرئيس، وهو هل نحن على وعي بالاختلافات بيننا وبين الغرب؟ ولا أتكلم هنا عن معلومات مبنية على عواطف وانطباعات شخصية، بل أخرى مدروسة ومبنية على دراسات وبحوث. ولنبدأ بضيوفنا الغربيين، إذ يُعرفون بثقافتهم المعتمدة على مبدأ المجتمع الانفرادي، وتعتبر وجهات النظر والآراء حول الأديان لديهم غير حازمة أو متشددة، وتميل هذه المجتمعات إلى ترك الحرية للطفل للعناية بنفسه بأسرع قدر ممكن، وتعلم العيش تحت مبدأ الـ«أنا»، وغالباً ما تكون الروابط الأسرية ضعيفة، بينما تزيد نسبة حالات الطلاق فيها، إضافة إلى اعتماد كبار السن على رعاية أنفسهم من دون مساعدة من أقارب، كما أن اختيار عدم الإنجاب ضمن الزواج قد يكون أمراً مقبولاً اجتماعياً، والحصول على جانب كبير من الخصوصية أمر طبيعي هناك، بالإضافة إلى التعبير الحر عما يفكر فيه الإنسان بصراحة.

في المقابل، فإن العالم العربي معروف بمجتمعه الجماعي، الذي يصبح للأقارب فيه أهمية كبيرة، بينما يعيش الأفراد فيه ضمن أسر كبيرة، بدلاً من الاستقلال وبدء أسرة صغيرة بعيدة عن والدتها المنحدرة منها، بينما توفر العائلة لأفرادها نوعاً من الحماية والأمان، ويكون الولاء للأسرة هو المقابل المنطقي، كما أن المجتمعات العربية تواجه نسبة أقل من الطلاق مقارنة بتلك الغربية، وتعتبر حالات الطلاق أمراً مكروهاً، إذ تعتمد هذه المجتمعات وتترعرع على مبدأ الـ«نحن» بدلاً من الـ«أنا»، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالأطفال، بينما تعد العناية بكبار السن في العائلة واجباً، ويدل إنجاب الأطفال على اكتمال الزواج ودخوله المرحلة الطبيعية المتوقعة له، بينما يُنظر إلى العيش بشكل منفرد، على أنه أمر مريب وغريب.

وعلى الرغم من أن هذه الملاحظات ليست سوى مواصفات معممة على كلتا الثقافتين، من دون محاولة مني فرض ما هو صحيح أو خطأ، إلا أن الوعي بوجود هذه الاختلافات والتعرف إليها أمر يعين على تقبل وفهم الآخر، وأكثر ما يثير انزعاجي تحول مثل هذه الاختلافات إلى نقطة نزاع وجدل مستمر بين القيم العربية وتلك الغربية، متناسين أننا أخيراً، على الرغم من أننا نتمتع بثقافة وتراث رائعين، إلا أن كل ذلك يمكن ببساطة أن يبدأ بالزوال، كما حدث في المجتمعات الغربية السابقة، فلنتمسك بما ننعم به من عادات وتقاليد ثقافية خاصة جداً، كانت السبب الرئيس لتحويلنا إلى ما نحن عليه الآن سواء في السابق أو اليوم.

ali@ask-ali.com

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر