أبواب

أوهام الخصوصية

زياد العناني

أحياناً وبحجة الخصوصية، ينهال كاتب ما على جذراللغة العربية طارحاً بعض الأفكار التي من شأنها الزج بنا إلى نزاع غير عقلاني يمكن أن يتطور الى توريط شخصيات وطنية وأخرى قومية في نسف مسألة التعايش المشترك في هذا البلد العربي أو ذاك، والقفز عليها ببساطة تقول إن الآخ هو الآخر!

كنا ولم نزل نعتقد أن اللغة العربية من العواصم، لا القواصم، وانها أكبر من أن تكون مثار جدل مدعوم بذكريات عن جغرفة قديمة أو حديثة يود النافخون في نيرانها أن تعود ولو على هيئة جحيم تلعب فيه هوية صغرى بلا مقومات سوى الانحدار نحو فتنة لن تأكل الأخضر واليابس بل ستأكل نفسها.

ماذا تعني الدعوات التي تتكرر حول وجود خصوصية فينيقية وأخرى فرعونية في ظل الوحدة اللغوية التي نعيشها بطريقة توافقية؟ وما المصلحة التي تكمن في اختراق العربية؟ وعلام يؤشر هذا الشغب «اللهجوي» الرخيص الذي ما انفك ينتج بعض المقولات العدمية والساذجة وهي تحمل فكرة أن «اللبنانيين مثلاً يختلفون عن العرب الذين يتكلمون لغتهم لجهة شكل الجسم، وطول الجذع، وقصر الأرجل، واستدارة الصدور، وقصر الرقاب وعرض الرؤوس والوجوه وعرض الأيدي وكبر الأقدام»، من دون أن تكون هذه المقولات ذات مرجعية علمية تؤكد نتيجة ما يقوله القائل حول استكشاف فرادة «العنصر» اللبناني واختلافه عن «العنصر» العربي.

بالقطع نحن أمام نبرة مأزومة ومسمومة وكارثية أيضاً، خصوصاً إذا دققنا في طروحات أخرى لاتزال تؤكد أن الشعر العربي في أزمة تتعلق بالنموذج والبناء والقيم واللغة والخلق، وان جبران خليل جبران يعتبر هو الرائد والمبدع والنموذج للخصوصية اللبنانية، وان الشاعر سعيد عقل جسّد الخصوصية اللبنانية كلمة وموقفاً ولغة شعرية تقوم على اللاهوتية والرمزية.

أما الأنكى من هذا وذاك، فيكمن في صلف التفريق بين مفردتين، هما: عروبة وعروبوية، بحث يجتهد المفرقون بالقول إن الأولى هي انتماء حضاري أو لغوي أو جغرافي، بينما الثانية هي انتماء إلى هوية وإلى أمّة ذات علاقة حميمية بالإسلام.

حين نعود إلى مقولة جرجي زيدان ان «اللغة كائن حي نامٍ، خاضع لناموس الارتقاء أو لنواميس الحياة من نمو وهرم»، ندرك أن التغيير والتجديد والتنوع من الضروريات الحتمية. وبناء على هذه المقولة لا أحد يقف في وجه التجديد إذا أخذ وجهته الخلاقة ولم يرتبط بالنزعات المريضة التي تنهال بمعول الهدم على قلعة اللغة العربية، وهي لا تملك بديلاً لها، فالعربية لها خصوصيتها وهي شجرة نستظل بها جميعاً. ولو كان جبران حياً لقال إنه لم يبدع شيئاً خارجها، ولو أن سعيد عقل يؤمن أصلاً بفينيقيته لكتب بها ومن خلالها. ولكن الهدف ليس في اللغة، وانما في استنهاض هويات مندثرة لا أقدام لها، ولن تصل بعيدا وهي فوق كرسي العجلات الذي يُصنع في وكالات أمنية باتت معروفة للجميع.

وأخيراً، من يريد أن يستغني عن العربية، فعليه أن يؤسس لغة أخرى وينتظر قروناً طويلة حتى تتشكل ويجري تدوينها وتقعيدها، ثم يتهافت في الهجوم على العربية وخصوصيتها التي بقيت صامدة وتؤكد أن الأمة العربية أمة واحدة حتى لو تمزق جيب أو ضاع قطر أو تغيرت التسميات السياسية وتبدلت خرائط النسب.

zeyad_alanani@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 

تويتر