5دقائق

شو يعني «موضوعي»؟!

سالم حميد

«مقالك غير موضوعي!»، عبارة اعتدتُ سماعها خلال السنوات القليلة الماضية، وأصبحت أول رصاصة يطلقها من يريد انتقاد الكاتب، ولا أعرف إن كان هذا القارئ لديه تعريف معين للمقال الموضوعي أم أنه قرر أن يمشي على خطى البقية وأطلق العبارة ذاتها! وعلى الأرجح، الأغلب لا يعرف ويردد العبارة بعد أن درجت كثيراً! وإكراماً لمردّدي عبارة «غير موضوعي»، سأكتب لهم اليوم فقط مقالاً موضوعياً لأشرح كلمة «الموضوعية»، كي لا تلتبس عليهم الأمور.

«الموضوعية» هي مسلك ذهني يرى خلاله الشخص الأشياء على ما هي عليه، وتستند الحقائق إلى العقل وحده دون النفس، أي النظر إلى الأمور بطريقة مادية بحتة، وهو الاتجاه الذي يتبنّاه عادة الباحثون في المجال العلمي، يقوم خلاله الباحث بالتجرد من ميوله وعواطفه. أما بالنسبة لكتابة المقال فهناك نوعان: مقال «موضوعي» ومقال «ذاتي»، فالمقال الذي تظهر فيه شخصية الكاتب وتبرز تجاربه الخاصة ليستخدمها عبراً ودلائل صورية، ويبرز فيها ضمير المتكلم وانفعالات خاصة هو مقال ذاتي، أما المقال الموضوعي فيقدم الكاتب الحقائق كما هي ويسمي الأشياء بمسمياتها، ويستخدم البراهين العقلية والتسلسل المنطقي، يعني أنه يعتمد على تسلسل علمي منطقي ولا يهتم بالصور والإيحاءات والجماليات، وعادة يستخدمه كتاب المقالات العلمية والبحثية.

في الصحافة مصطلح «الموضوعية» فضفاض، لأن الإعلامي من بني البشر ويتأثر بالعواطف، وبمجرد أنه كائن عاطفي فإنه ومنذ بداية كتابته تقريراً أو خبراً أو تحقيقاً يختار الموضوع أغلب الأحيان وفقاً لعواطفه، ويسري الأمر على كامل العملية في الكتابة، وربما يستطيع أن يحقق جزءاً من الموضوعية في كتابة الخبر الصحافي أو التقرير، من خلال وصف ما يراه بطريقة تنقل الحقيقة المجردة، وهو أمر صعب لأن التفضيل يدخل هنا أيضاً، وبذلك تكون قد اخترقت الموضوعية. لكن بالنسبة لكتاب الرأي، فهو أمر آخر، إذ إن الكاتب يعرض وجهة نظره في الأمور، أي أنه يبرز شخصيته وطريقته ونظرته الخاصة، التي قد يأخذ بها القارئ أو لا، قد يؤيد أو يعارض الموضوع وطريقة طرحه، لكن هذا يجب ألا يفسد للود قضية، لأن أي طرح ومجرد أن يثير العقل ويحثه على التفكير ويحرك في القارئ جدلاً وتساؤلاً، فقد أدى دوره، وبهذه الطريقة تتطور الأمم والشعوب، من خلال طرح أفكار والنقاش حولها ومن خلال التباين في الآراء، وإلا إذا كنا جميعاً نتشارك الرأي نفسه في كل الموضوعات ونعرف في كل الأمور فقد وصلنا إلى الحقيقة المطلقة.

فهل تريدون كُتاباً يفعلون ما تريدون وما تشتهون من دون وجهة نظر ورأي؟

أعزائي، أصابع اليد الواحدة تختلف، فما بالكم بالإنسان هذا المخلوق الذي حباه الله نعمة التفكير، فهل نرمي هذه النعمة جانباً ونستنسخ أنفسنا، ونتوحد بوجهة نظر واحدة، أم نتباين ونتناقش ونطرح وجهات نظر مختلفة باحترام كامل بهدف أن نطور أنفسنا ومجتمعاتنا؟

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .


 

تويتر