أبواب

من حقه أن يعيش

أحمد السلامي

لا توجد مهنة في العالم العربي لا تضمن لصاحبها العيش بكرامة سوى مهنة الكتابة. وسواء كنت صحافياً أو شاعراً أو أديباً، فأنت تحرث البحر وتجري خلف السراب!

لذلك ينصح الكتّاب والأدباء أبناءهم بتجنب امتهان حرفة الفقر هذه، فلم أسمع أديباً أو كاتباً يدفع بولده إلى السير على خطاه.

ولا يكف المجتمع بدوره عن تصوير المبدع في هيئة ناسك يتعبد في محراب الإلهام، ولأجل أن يقبض على الفكرة عليه أن يتخلى عن الحياة الطبيعية التي يعيشها الآخرون.

تلك صورة نمطية قديمة كانت تليق بالحكماء في الصين وشيوخ الصوفية في القرون الماضية. أما الآن فقد سئم الأدباء ذلك النوع من الحديث الممل عن المعاناة التي تولد الإبداع، وكأن على الكاتب أن يتحلى بالزهد ويتقبل قسوة الحياة ليدفع ضريبة امتهانه هذه الحرفة الشقية.

ثم من قال إن الإبداع يولد مكتملاً حين تكون حياة المبدع بائسة؟ أليست المعاناة الذهنية كافية لتوليد الإبداع؟ أم ان المبدع مطالب بالاستسلام لكل أصناف المعاناة؟ ولماذا ينبغي عليه أن يتنازل عن حقه في أن يعيش بكرامة، وأن يكتب ويبدع وذهنه غير منشغل بتدبير احتياجات أسرته؟

من حق المبدع أن يعيش حياة الرفاهية مثل الآخرين، ومن حقه أن يسافر من دون أن يكون سفره تلبية لدعوات المهرجانات والندوات التي تسجنه في القاعات المغلقة.

من حقه أيضاً أن يتفرغ لإبداعه وأن تنحصر مكابداته في فضاء المخيلة، حيث تتصارع الرؤى والأفكار وليس حيث تتصارع الهموم والاحتياجات.

يعلم الأدباء جيداً أن هذه الإشكالية المزمنة لا تهم احداً سواهم، حتى إن معظم المؤسسات الثقافية الرسمية في العالم العربي مكرسة لأداء وظائف تقتل الإبداع وتحوله إلى مهرجانات ينفر منها المبدعون الحقيقيون. ومع مرور الوقت اتضح كذلك أن تجويع المثقفين وترويضهم من بين المهمات غير المعلنة لتلك المؤسسات.

لذلك لا نستغرب مضمون التوصيات المقترحة للتداول في القمة الثقافية العربية المرتقبة، وكيف أنها تخلو من ملامسة مثل هذا الموضوع إلا في سياق عمومي يتصل بالعمل على «مواءمة التشريعات الوطنية العربية مع الاتفاقات الدولية الخاصة بحماية الملكية الفكرية» لتصبح مواءمة القوانين المحلية مع الاتفاقات الدولية هي الغاية. ولا يخفى على المتابع ان الاهتمام بهذه الجزئية يأتي استجابة لضغوط دولية منبعها منظمة التجارة العالمية، ويبقى الغرب هو المستفيد من هذه التشريعات، ولماذا يستفيد وحده؟ لأنه يصدّر ونحن نستهلك، ولأنه يحول المعطيات الإبداعية والفنية إلى سلع قابلة للتسويق.

ومتى نستفيد مثلهم؟ عندما ننتج أفلاماً سينمائية وأعمالاً أدبية وموسيقى وسلعاً ثقافية وبرامج حاسوب تفرض أهميتها، وتقنع المستهلك العربي والغربي باقتنائها.

ومتى نصل إلى هذه المرحلة؟

عندما يتطور المجتمع وتعترف التشريعات بحرية التعبير، وعندما تتبدل النظرة إلى المبدع، في الجامعة ودار النشر والجريدة والمرسم والمعهد والمسرح.

سوف نصل بالتأكيد حين نكافئ المفكر والباحث والمهندس والكاتب والأديب والفنان، وحين لا نجعل أحد هؤلاء يرمي القلم من يده ويقول: من حقي أن أعيش.

slamy77@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر