‏يا جماعة الخير‏

‏{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُن} أكمل.. لو سمحت

مصطفى عبدالعال

‏أصر الحبيب على رفضه لعمل المرأة، وقال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُن}، وراح يعدد مساوئ عمل المرأة، وهاجم كل من أشاد بنجاح بعضهن، وأكد أن مكان المرأة في كل الأحوال هو البيت، ولما اشتكت زوجته آلام الوضع أسرع بها إلى المستشفى، فاستقبله ممرض لاصطحابها فرفض قائلاً أين الممرضات؟ وأين الطبيبة؟ قال الممرض نحن لا نقبل عمل النساء فمكانهن البيت، وربنا قال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُن} فاعترضه قائلا: فمن سيتولى توليدها؟ قال عندنا أطباء ماهرون، قال: فإذا أرادت الحمام؟ قال عندنا رجال أمناء! فتوقف صاحبنا قائلاً: لابد من البحث عن عيادة تكون القائمات عليها نساء، وراح يتصل بأصدقائه بحثاً عن طبيبة حتى لا تنكشف امرأته على رجال، وإذا بصديق يشاركه التبرم قائلا: منذ سنوات أبحث لبناتي البالغات عن معلمات، وكلما سألت أتاني الرد: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُن}، وآخر يقول أبحث عن امرأة تعلم بناتي قيادة السيارات، وصاحبنا يجادل ويبرر حتى سمع صرخة زوجته منذرة ببداية وضع المولود، فتنازل شيخنا عن عناده واستسلم لأن يتولى الرجال المهمة، وهو يشعر-خطأً- بتجاوزه أمر ربه.

ولما فرغ راح يجمع كل من وافقه الرأي في إنكار عمل المرأة، فإذا بهم بين باحث عن سائقة لسيارة البيت حتى لا يخلو سائق بابنته، وباحث عن محفّظة للقرآن لبناته، ومطالب بأن تكون في المطارات سيدة لتفتيش السيدات ذاتياً للضرورة الأمنية، وباحثات في محاكم الأسرة.. الخ، وغير ذلك كثير مما تكون المرأة فيه أنسب من أفاضل الرجال، وإذا بأحدهم يقول: فلنسأل أهل الذكر عن قضية {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُن} علنا نجد مخرجاً، فوفقهم الله إلى عالم متخصص لم يجعل من نفسه مفتياً ولا مشرعاً، وإنما جعلته كذلك دراسة طويلة وإجازة شيوخ من ورثة العلم المعتمدين والمخولين بمنح الشهادات في هذا التخصص الشريف، الذي لا يأتي بالادعاء ولا باتباع الأهواء، فقال لهم الفقيه مستغرباً: كيف لم تقرأوا بقية الآية: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُن وَلا تَبَرجْنَ تَبَرجَ الْجَاهِلِيةِ الأولَى..} الأحزاب «33»، أي إذا خرجتن وكانت العلة هي التبرج وإظهار الزينة ولفت الأنظار فلا يحل ذلك {وقرن في بيوتكن}، أما إن كانت العلة ضرورة طلب العلم أو الرزق فإن النبي أذن للمرأة أن تعمل، فعَنْ جَابِرٍ قَالَ: طُلقَتْ خَالَتِي ثَلاَثًا فَخَرَجَتْ تَجُد نَخْلاً لَهَا فَلَقِيَهَا رَجُلٌ فَنَهَاهَا فَأَتَتِ النبِي- صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَه، فَقَالَ لَهَا: «اخْرُجِي فَجُدي نَخْلَكِ لَعَلكِ أَنْ تَصَدقِي مِنْهُ أَوْ تَفْعَلِي خَيْرًا». والسيدة فاطمة الزهراء كانت في غزوة الخندق لها خيمة مازال موضعها في المساجد السبعة تداوي منها الجرحى وتجهز الطعام وتشارك زوجها في قيادة المسلمين، وأم المؤمنين خديجة عملت بالتجارة حتى فاقت تجار مكة جميعاً، والأمثلة كثيرة على أن عمل المرأة عند احتياجها إليه أو عند احتياج المجتمع إليها قد يكون فرضاً، ومن البداهة أن تلتزم بالضوابط الشرعية، إلا إذا قبلنا عند احتياجها أن تلجأ إلى ما حرم الله.

‏المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

تويتر