أقول لكم

محمد يوسف

كنت أنظر إلى تلك الدوائر السوداء المنتشرة في الممرات وعند المصاعد وأبواب الغرف، بريبة، أتوجس منها، وأحاول أن أكون وديعاً إلى أقصى درجة بالقرب من مكانها، أنظر إليها بطرف عيني، أتصنع الجدية ولو كنت في حديث ضاحك مع أحد، وأخفض صوتي إلى درجة الهمس، أتصورها عيناً متطفلة ليس لها عمل سوى مراقبتي ورصد كل شـاردة وواردة في تفاصيل حياتي، وحاولت مراراً أن أصل إلى الغرف الخاصة والمقفلة بإحكام، حيث يتم تسجيل كل ما تنقله تلك الدوائر السوداء التي يقال إنها كاميرات مراقبة، ولم أجرؤ على السؤال حتى لا أكون محل شك، فمن يسأل عن جهاز رقابي أمني لابد أن يُشك فيه، وقلت لنفسي ذات مرة إننا هنا في الإمارات نأخذ الأمور بأريحية لا تشوبها المقاصد السيئة، ولي علاقات قد تسمح باطلاعي على هذه التقنية الغائبة عنا، ولكنني ترددت، وبصراحة أكثر خفت من أن يمازحني أحدهم ويعرض علي فيلماً خاصاً بتحركاتي في مركز تجاري أو فندق أو حتى طريق، وأكتشف مساوئ تصرفاتي الطبيعية أو غيرها، ومازالت تلك الرغبة تراودني من بعيد حتى جاءت نتائج جريمة قتل سوزان تميم، وتغيرت نظرتي لتلك الكاميرات، وأيضاً تصرفاتي، أصبحت أنظر إلى الدائرة السوداء نظرة إعجاب، أتمنى أن لا يفسرها الجالسون خلف «المونتيرات» أي تفسير آخر، وصرت أبتسم لها عندما أكون في انتظار المصعد، وفي بعض الحالات أرفع يدي للسلام على ذلك الجندي المجهول الساهر على أمني وسلامتي وهو يراني أمر أمامه، فلا يجوز أن أحرم مثله من التحية، هكذا كنت أقول لنفسي، وصرت أشعر بشيء من عدم الارتياح إذا كنت في مكان متسع ومتعدد المداخل والمخارج والطوابق من دون أن تكون تلك الدوائر السوداء الزجاجية تزين أسقفها وبكثرة، حتى رأيت ما جُمع من كاميرات المطار والفنادق والساحات الخارجية للعصابة المجرمة التي اغتالت المبحوح، وتحول الإعجاب إلى حب، وانطبق علي المثل «الحب بعد العداوة»، ولماذا لا أحب ما يجعل بلادي آمنة، ويجعلني وأهلي آمنين، وأما ما صوّر لي من أفلام فهي ذكرى قد تنفع يوماً لأنني لا أرتكب ما يعكر صفو ذلك الأمان، وكذلك يفعل كل الخيرين الذين لا يخشون شيئاً.

 

myousef_1@yahoo.com

تويتر