«مِسد كول»

عبدالله الشويخ

وصلني في الأسبوع الماضي، خبر مفاده أن أحد الشباب فقد حياته بعد أن قفز من شباك المنزل الذي كان يقيم فيه، لأن إحدى الجهات التي كانت تطالبه بمبالغ مالية بضمان شيك استدلت على موقعه وجاءت تطلب حقها، اتصلت بأحد الزملاء في الجريدة، الذي أكد لي أن الخبر شائعة، وإن كان لا ينفي حقيقة أن «الشيكات والحوادث المرورية» ستكونان السبب الرئيس في انقراض شباب الإمارات.

في قصة أخرى كنت في الجزيرة رائعة الجمال (دلما) وبعد أن نزلت بسيارتي من الدوبة التي أقلتنا من ميناء جبل الظنة إلى الجزيرة، التقيت بأحد الشباب المواطنين، الذي كان متوجهاً إلى عمله في الجزيرة، سلمت عليه، وحاولت أن أفتح معه أي باب للحديث، إلا أن نفسيته كانت في الحضيض لدرجة أنه رد علي السلام بشق الأنفس، عندما استفسرت من الزملاء في الجزيرة اخبروني بأنه من «دبا» ويعمل في «دلما» أي أن الطريق يأخذ منه سبع ساعات ونصف الساعة، لذا فهو يصل في حالة نفسية سيئة، في كل بداية أسبوع.

سؤالي هو: من سيلوم هذا الشاب إذا مشى بسيارته على سرعة (180) أو (200) كيلومتر في الساعة لكي يحصل على بضع دقائق إضافية مع أسرته أو لكي يداعب ابنته الوليدة أو رداً على «مِسد كول»؟!

نعم، هناك الكثير من المتهورين، ولكن في الجانب الآخر هناك من يضرب أكباد الإبل من أجل لقمة العيش ويخطئ أحياناً عندما ينجرف وراء عاطفة الشوق لكي يصل إلى أبنائه أو أسرته أو حتى أصدقائه، لكي يصطدم بعقبات عدة أولاها الاكتظاظ المروري الهائل يوم الخميس في مداخل الإمارات الشمالية، وثانيها الأقلام والعقليات التي تطالب دائماً بتقليص عدد أيام الإجازات، وأن يكتفي الموظف الحكومي بإجازة الـ15 يوماً سنوياً، وهي سهلة بالطبع لمن لم يجرب «ضرب الخطوط»!

إذا كان هناك حرص حقيقي على أرواح الشباب فمن أفضل ما يمكن أن يوفّر لهم هو وسائل النقل الجوي، أو غيره من الطرق، التي تستطيع أن تختصر المسافات، فلا يضطر معها الشاب إلى المخاطرة بروحه وأرواح الآخرين من أجل وصول سريع سواء لمنزله أو للدار الآخرة!

* * *
مصر والسعودية وسورية والأردن، وغيرها الكثير من الدول العربية، طبقت أنظمة الطيران الداخلي فيها بنجاح كبير، حتى أصبح الطيران الداخلي في كثير منها نوعاً من الثقافة، وقد كنا في الإمارات حتى عهد قريب ننظر إلى مشروعات النقل العملاقة نظرة مستبعدة وغريبة، ولكن نجاح مترو دبي وشركة أبوظبي للطيران الداخلي، اثبتت أن الأمر لا يعدو حواجز وهمية نضعها لأنفسنا.

 

shwaikh@eim.ae

تويتر