معادلة صعبة

سامي الريامي

لم أطالب أبداً بالاستغناء عن الخبرات الأجنبية، ولن أكون عاقلاً أبداً إذا طالبت بذلك، ولم أطلب استبدال الموظفين الأجانب في كل مكان بموظفين مواطنين، لأن الواقع الميداني يثبت أننا بحاجة إلى كثير من الوظائف، بل الحقيقة أننا لن نستطيع استبدال كثير منها ربما لـ50 سنة مقبلة، خصوصاً تلك التي تتعلق بالتخصصات الصعبة والفنية، أو حتى الوظائف الحرفية التي تتطلب مهارات خاصة لا تتوافر في المواطنين، أو ربما لن تتوافر فيهم نظراً لطبيعة تلك المهن.

لم يكن الطرح السابق في مقالة الأمس في هذا الاتجاه أبداً، ولكن ما أطلبه وبصراحة شديدة هو تبني التوطين قضية مصيرية من أعلى الهرم الإداري في كل مؤسسة ودائرة حكومية أو وزارة اتحادية. لاحظوا أن الحديث عن القطاع الحكومي، وليس الخاص، لأن التوطين في القطاع الخاص هو مجرد خرافة وأسطورة لن تتحقق هنا أبداً، وافق من وافق، أو اعترض من اعترض، وهذه قصة أخرى.

ما يحدث في كثير من الهيئات والدوائر اليوم أمر معاكس لكل ما نقرؤه من تصريحات، ولكل ما تضعه الدولة من تشريعات وسياسات، من أجل تمكين المواطنين وتوفير الفرص الوظيفية «الحكومية» لهم، وتعدى الموضوع توظيف المواطنين، ليصبح كما ذكرت بالأمس، كيفية الحفاظ على وظائفهم ومناصبهم، فهي باتت مهددة وبشكل كبير، وأصبحت أعداد كبيرة من المواطنين في دوائر وهيئات «حكومية»، لا يعرفون إن غادروا مكاتبهم ظهراً هل سيعودون إليها صباح اليوم التالي، أم أن جملة «عفواً حان وقت التقاعد» ستكون في انتظارهم، بل أصبح بعض الهيئات مشابهاً تماماً لأقسام مرضى السرطانات الذين يفقدون يومياً زميلاً لهم كان نائماً في غرفة مجاورة!

ليست مبالغات إطلاقاً، وهذا ما يحدث، ولسبب رئيس واحد، هو الاعتماد على شركات أجنبية أو مديرين أجانب لتشغيل العمل وإدارته، والنتيجة المباشرة لذلك، استبدال المواطنين من الصفين الأول والثاني فوراً بأجانب من طرف الشركة، ثم العمل على «تطيير» الآخرين، والعذر مقبول، هو تطوير وتجويد الخدمات، وخفض التكاليف! وكما قلت في البداية، لن نرفض مبدأ الاستعانة بخبرات أجنبية، ولن نطالب برفض التعاون مع شركات متخصصة تمتلك من الخبرة ما لا نمتلكه في قطاعات حيوية حساسة، ولكن القصة هي كيف يمكن حماية أبنائنا وإخواننا العاملين في تلك الجهات من ذلك المسؤول الأجنبي الذي يريد استبدالهم بأصدقائه أو أقاربه أو أبناء جلدته، وهذا من دون شك أمر طبيعي لدواعي طبيعة بني البشر، ولا علاقة لها بـ«تطوير العمل» و«الحفاظ على الجودة»! والسؤال المهم يتمحور في كيفية الحفاظ على هذه المعادلة الصعبة، غير متعادلة الأطراف، طرف قوي متمثل في أجنبي مليء بالصلاحيات، في مواجهة موظفين غير مرغوب فيهم، ليس لضعفهم المهني، ولا لسوء أدائهم، أو أخلاقهم، بل لأسباب أخرى تتعلق بالصراع من أجل البقاء لا أكثر ولا أقل!

وكيف يمكن لنا أن نضمن تطوير العمل، ولا مانع من الاستعانة بالخبرات الأجنبية، من دون أن يؤثر ذلك في الموظفين المواطنين، ويهدد بقاءهم في مناصبهم؟ طبعاً لا يمكنني الإجابة عن هذه التساؤلات، ولكن لو كانت هناك مفاضلة بين تطوير العمل بنسبة 20٪ على أيدي المواطنين، فإنها من دون شك أفضل من تطويره 50٪ على يد شركة أجنبية ستقوم من أجل ذلك بالاستغناء عن 50٪ من المواطنين العاملين في ذلك القطاع!

 

reyami@emaratalyoum.com

تويتر