من المجالس

عادل محمد الراشد

كلما زادت الأعياد قلّ الفرح، كلما زاد الكلام في الحب تقلصّت المشاعر، كلما زادت أفلام الحب تصدّعت العلاقات، كلما زادت أغاني الحب ارتفعت أرقام الطلاق، كلما زادت مبيعات «عيد الحب» زادت الجفوة، كلما راجت تجارة الحب بارت قيم التسامح، وكلما اتسع نطاق الاحتفال بالحب تقلص نطاق الحب ليكون يوما في 365 يوما مما نعد في كل حول.

نعلم إنها تجارة، وهي من فعل الشطارة، والشطّار قسموا الدهر مواسم، وجعلوا المواسم أيّاما وأسابيع وشهوراً وربما فصولا، وجعلوا لكل موسم خطابه وأدواته الكفيلة بنزف الجيوب بعد تفريغ العقول، وفي عيد الحب كما في عيد الأم وعيد الميلاد وعيد القرع وسائر الأعياد المبتكرة تتزين الأسواق، وتتهيأ المحال، ويستنفر التجار لكسب الجولة ومضاعفة الغلة.

ونعلم أن الإعلان، ذلك السلاح الخطير الذي لان له الحديد قبل القلوب، وخضعت له النفوس، فطوّعت القناعات وأمرت الجيوب لتنفتح على مصاريعها وتخرج ما في بطونها، وإن عجزت فلتقف في صفوف أهل القروض لتوفر ما فرضته ثقافة الأعياد والمناسبات الدخيلة قبل الأصيلة من متطلبات ومستلزمات لها بين الأحمر والأسود قاسم مشترك اسمه الاحتفال.

والسؤال.. لماذا يتكالب الناس على الاحتفال، لسبب أحيانا، وبلا أسباب أكثر الأحيان؟هل هو الحرمان في زمن صار الفرح يباع في الأسواق، والحب يختزل في دمية دب ووردة عنوانها لون الدم ورائحتها بخار المعامل الكيميائية؟ هل هي الحاجة للحب الذي غادر القلوب إلى قصائد ما دون النبط، وسكن الاسطوانات الممغنطة، ووضع عند كل قصة كلمة «النهاية» في آخر الفيلم؟ هل هي لوثة الضجيج الذي صار عنوان حضارة العصر، والتي ضيعت همسات العاشقين وقطعت خلوات المحبين، فبعثرت إشارات الهيام قبل أن تغادر الحناجر أو تبرح العيون؟ أم هي لوثة التقليد، وداء الانفصام، وأعراض الدونية، وأسباب النحافة التي هبطت بنا إلى أوزان الريشة والذبابة والفراشة فجعلتنا في مهب رياح الآخرين؟

 

adel.m.alrashed@gmail.com

تويتر