حان وقت التقاعد!!

سامي الريامي

لا دخان من دون نار، وليست كل الشكاوى كيدية، كما أنها ليست جميعها حقيقية، ولكن عندما تنتشر الشكوى ذاتها من قبل أعداد لا حصر لها من الموظفين المواطنين في قطاع حيوي مهم، ومن مختلف المستويات، فمنهم موظفون يمثلون الإدارة العليا وآخرون يمثلون المتوسطة وأعداد من صغار الموظفين، فإن الأمر لا شك في أنه يتعدى الشكوى من أجل الشكوى، ويتجاوز حدود الشكاوى الكيدية ليصل إلى مستوى المشكلة الحقيقية التي تحتاج إلى حل فوري وتدخّل عاجل.

لن أحدد الجهة، لأنها عملياً أكثر من جهة، وللأسف الشديد هي جهات «حكومية»، اختارت لسبب من الأسباب شركات «أجنبية» لتشغيل منشآتها، ولن أدّعي أن هذه الخطوة خاطئة، فلكل مشروع ظروفه وحيثياته التي لا نعرف دهاليزها، وربما كانت تلك الخطوة ضرورية في ظروف عملية لا نعرف عنها الكثير، وربما هي مؤقتة لفترة زمنية معينة، وربما هو النقص في الكفاءات الوطنية القادرة على إدارة مثل تلك المشروعات الضخمة والمهمة والحيوية.

لا يمكن تحديد سبب اللجوء إلى خطوة الاستعانة، أو بالأحرى تسليم زمام الأمور كافة لشركات أجنبية للإدارة والتشغيل، ولا نعرف ما السر وراء اللجوء إليها في هذا الزمن تحديداً، خصوصاً في وقت نتمتع فيه نحن بسمعة عالمية جيدة في إدارة المرافق الخارجية الضخمة بأيدٍ وطنية وبعقول إماراتية، ومع ذلك وبغضّ النظر عن السبب وراء هذا الإجراء، كان علينا على أقل تقدير حماية الموظفين المواطنين العاملين في تلك المرافق، الذين أصبحوا هم الفريسة الأولى لتلك الشركات، فلا يمكن لها منطقياً من العمل والتشغيل والإدارة وجميع موظفي الصفين الأول والثاني هم من المواطنين القدامى، وبالتالي فإن أولى الخطوات الواجب تنفيذها هي استبدال هؤلاء فوراً بعناصر من الشركة المشغلة، وبالتأكيد لا يهم إن كان البديل أفضل من الموجود أو أسوأ منه، ولا يهم كم أفنى المواطن من سنوات عمره في هذه المهنة، وما حجم الخبرة التي يمتلكها، ولا داعي أبداً للسؤال عن مستقبله، وكيفية التخلص منه، لا يهم كل ذلك، المهم فقط هو إزالة كل المواطنين، واستبدالهم بعناصر أخرى فوراً.

وبما أن المنطق الذي تعمل بموجبه هذه الشركات يقول لو أن هؤلاء المواطنين «فالحين» لما كان وجودنا اليوم ضرورياً لإدارة العمل، وبالتالي فإن جميع التغييرات الإدارية سواء كانت ضرورية أو شكلية هي في الواقع أمور مبررة، ويمكن تمريرها على الإدارة العليا.

إنها بالفعل مشكلة كبيرة، ونحن هنا لا نتحدث عن «التوطين»، وكيفية إقناع الشركات الكبيرة بتعيين أعداد من الموظفين المواطنين لديها بعد تدريبهم وتأهيلهم، كما تفعل «تنمية» وتحاول وزارة العمل جاهدة، المسألة أكبر من ذلك بكثير، فالمسألة اليوم هي كيفية حفاظ الموظفين المواطنين على وظائفهم، وكيف نضمن ألا تلجأ الإدارة العليا في أي قطاع حكومي أو شبه حكومي إلى شركات أجنبية من أجل إدارة العمل، فإدارة العمل بمفهوم تلك الشركات تعني بالضرورة «مواطنين سيجلسون في بيوتهم» لأن الشركة المشغّلة لا تريدهم، هذا ليس خيالاً بل واقع واجهه أحد المواطنين العاملين في قطاع حيوي يكاد يخلو من المواطنين عندما فاجأه مسؤوله «الأجنبي» الجديد بعد أن تسلّم زمام الأمور وهو يقول له: «حان وقت تقاعدك»!

 

reyami@emaratalyoum.com

تويتر