مهرجان يؤرّخ للحرب الباردة

قيس الزبيدي

تأسس مهرجان برلين السينمائي بعد الحرب العالمية الثانية، بمبادرة من قبل الحلفاء الثلاثة. وكانت برلين وقتها بمثابة واجهة عرض للعالم الحر، وفهم دورها السياسي في رد الحياة للمدينة وجعلها عاصمة أوروبية للفن ومدينة للسينما. وافتتح المهرجان الأول في السادس من يونيو في العام 1951 في قصر« تيتانيا» العريق في برلين، بفيلم «ربيكا» لألفريد هتشكوك، وكانت بطلته النجمة جان فونتين ضيفة على المهرجان.

في سنوات المهرجان الأولى كانت الجوائز تمنح من قبل الجمهور، وبعد أن حصل المهرجان على عضوية جمعية المنتجين الدولية في العام 1955 صُنف بمستوى واحد مع مهرجاني كان والبندقية، وقد استطاع المهرجان التالي أن يدعو لجنة تحكيم دولية، تمنح جوائز دببه الذهبية والفضية.

لعب المهرجان في مناخ الحرب الباردة دوره السياسي المطلوب، لكنه لم يبق بمنأى عن حملات المعارضة السياسية، ففي نهاية الستينات نجحت المطالبة في تأسيس مهرجان سينمائي مواز ومستقل، يعنى بتقديم الأفلام التقدمية الشابة، وتأسست في العام 1971 الندوة الدولية للفيلم الشاب.

ومع مبادرات حكومة فيلي براندت السياسية الخارجية التي قامت في بداية السبعينات بتوقيع عقود مختلفة مع الدول الاشتراكية، بدأت مشاركة أفلام دول المعسكر الشرقي في المهرجان. ونتج عن هذه المشاركة مناخ سياسي مختلف قاد بدوره إلى أزمة سياسية، حينما عرض في العام 1979 الفيلم المعادي لفيتنام «صائد الغزلان» لميشيل شيمينوس، وعلى أثر عرضه، انسحبت وفود الدول الاشتراكية ووفود من دول العالم الثالث من المهرجان. وتحوّل المهرجان في الثمانينات وفي التسعينات إلى منبر لسينما أوروبا الشرقية وآسيا وبدأ بعرض الأفلام الألمانية بشكل كبير بمساواة الإنتاج العالمي.

والآن إذ يحتفل المهرجان بمناسبة عيد ميلاده الستين، ينظم برنامج استعادة أفلام تحت عنوان «أعرضها ثانية»، وهو برنامج يلقي الضوء على تطور المهرجان ومراحل مسيرته التي بدأت في ظروف الحرب واستمرت في مرحلة فتح الباب أمام الأفلام الاشتراكية وانتهت مع مرحلة نهاية تقسيم أوروبا السياسي، التي حررته من توازنات الماضي الصعبة. يتألف البرنامج من 40 فيلماً اختارها الناقد البريطاني الشهير دافيد طومسون، منها فيلم جان لوك غودار الأول «على آخر نفس»، الذي عرض في المهرجان في العام 1960 وكسر وقتها كل التقاليد الفيلمية وأذهل النقاد، واستطاع مخرجه أن يعلن ميلاد الموجة الجديدة، وشكل نقطة تحول بارزة في تاريخ المهرجان نفسه. وفيلم «الآنسة جوليا للمخرج السويدي الف سيوبيرغ وفيلم «حياة ـ 1952» للمخرج الياباني أكيرا كوروساوا، وفيلم «إمبراطورية الحواس» للمخرج الياباني ناغيزا اوشيما الذي أثار زوبعة وصودرت نسخته بعد العرض الأول بأمر من المدعي العام الذي أقام الدعوة أيضاً ضد رئيس مهرجان الندوة العالمية لمؤرخ اولريش غريغور، بحجة الإخلال بالآداب. ويعرض فيلم ميكائيل سيمينوس «صائد الغزلان ـ 1979».

وتضيف اختيارات دافيد طومسون بعض الذروات من سينما المؤلف الأوروبية، مثل فيلم «علامة حياة» للألماني فيرنر هيرتسوغ، وفيلم «حقل القمح الأحمر» للصيني زهانك يموس هونغ غاوليانغ، وهو أول فيلم صيني يعرض في مهرجان دولي وينال جائزة الدب الذهبي.


alzubaidi0@gmail.com

تويتر