من المجالس

عادل محمد الراشد

إعلانات توظيف «للمواطنين فقط» تنشرها دوائر وهيئات وشركات حكومية وشبه حكومية على صفحات الجرائد بين وقت وآخر، هذه الإعلانات ظاهرها الدعوة وباطنها المنع، شروط تجعل من الوظائف المعروضة في أدنى السلم الوظيفي وكأنها عروض خاصة لمناصب عليا، ليس أصعبها إجادة اللغة الإنجليزية إجادة تامة قراءةً وكتابةً وتحدثاً. ويكاد الخريج الجديد الواقف على أعتاب الحياة الوظيفية لأول مرة يشك في أنه مدعو بالفعل للتقدم إلى الوظيفة المعلن عنها، ويبدو خريج الثانوية العامة متلبساً بشعور المستحيل الذي يكون أبعد إليه من لبن العصفور!

وبعد هذه الإعلانات المنفّرة تأتي المقابلات الشخصية لمن تجاسر تحت ضغط الحاجة وقرر التقدم إلى الوظيفة. يطلب الشاب الجديد صاحب الخبرة الصفرية في مجال الوظيفة ليوضع في مواجهة لجنة «مختصة» يتقاذفه أعضاؤها بأسئلة تتجاوز حدود اكتشاف الشخصية إلى مستوى استعراض مهارات أعضاء اللجنة التعجيزية. فتتشعب الأسئلة بين الجغرافيا والتاريخ والإدارة، وتتطاول إلى علم النفس، وربما ترحل بالمسكين الجالس على كرسي الاستجواب إلى الأزمة المالية العالمية وانتخابات سريلانكا وآخر تداعيات حرب الكرة الإفريقية. لا ينسى أعضاء اللجنة محاولة استنطاق المتقدم إلى الوظيفة عن علاقاته الإدارية والمالية بكبار المسؤولين التنفيذيين بالجهات الحكومية والخاصة، والفائدة التي يمكن أن يوفرها للدائرة أو الهيئة أو الشركة التي ينوي العمل فيها لدى هذه الجهات. فيشعر هذا المسكين بالرغبة الجامحة في قول «كفى لست من يستحقها» فيشك في نفسه ومؤهلاته وقدراته ويرى الوظيفة شيئاً أكبر بكثير من قدرته على مجرد التفكير.

إعلانات تعجيزية ومقابلات تطفيشية، ولذلك نسمع عن مئات الآلاف من فرص العمل الجديدة، ونرى في الوقت نفسه آلاف المواطنين خارج حسابات هذه الفرص التي غالباً ما تذهب إلى غيرهم، وإن كانت وظائف Donkey jobs على حد وصف أصحابنا الإنجليز.

 

adel.m.alrashed@gmail.com

تويتر