شرطي الفضاء

علي العامري

يبدو أن الولايات المتحدة لا تريد أن تتوقف عند حدود الأرض، بوصفها «شرطي الكوكب»، إذ إنها توزع العقوبات، كيفما شاءت، على دول تعتبرها «مشاغبة» في الصف المدرسي.

المنطق الأميركي الذي يعتد كثيراً بسطوة القوة والسلاح والتقنية، يريد صياغة عالم على مقاس أميركي تماماً، في التفكير والسلوك، وحتى في الطعام، إذ لم يتوقف غزو «الوجبات السريعة» عند المدن، بل تجاوزها إلى بعض القرى في هذا العالم الممتد من الجوع إلى العتمة. الأميركان يصولون ويجولون.

الأميركان يحتلون ويغزون أي أرض وأي شعب، يقودهم منطق مصاب بالحول، إذ إن مبررهم الجاهز هو «أمن أميركا»، بينما كل هذا العبث الأميركي يجري على أراضي الآخرين.

قبل أيام، استعادت الشركات الكبرى الأميركية سلطتها في دعم الحملات الانتخابية، لتصبح رؤوس الأموال، وليس غيرها، هي من «يعيّن» الرئيس، ليبقى السياسيون والمثقفون والمفكرون والناس عامة على هامش المشهد، مجرد متفرجين في لعبة المال الكبرى.

وبعد هذا التراجع في الحياة السياسية، يطلع علينا مجلس النواب الأميركي بقرار يدعو إلى فرض عقوبات على مشغلي الأقمار الاصطناعية العربية، وفق ذريعة جاهزة تتمثل في تصنيف بعض القنوات الفضائية العربية في قائمة «الإرهاب». وفي ذلك خلط متعمد لمفهومين هما «المقاومة» و«الإرهاب»، بحيث يبدوان «مفهوماً واحداً» وفق المنطق الأميركي. وبذلك، تتوسع الولايات المتحدة في «مهامها» لتصبح «شرطي الفضاء» أيضاً، تتحكم بما تبثه الفضائيات.

قرار مجلس النواب الأميركي المطالب بـ«معاقبة» مشغلي فضائيات عربية هو اعتداء صارخ على حرية التعبير وحرية الإعلام، وهو اعتداء على مبدأ التعددية، وهو اعتداء على استقلالية الإعلام العربي، وهو اعتداء على العقل العربي أيضاً.

القرار هو محاولة للجم أي صوت مناهض للاحتلال، وهو محاولة لمحو كلمة «لا» من قاموس العرب. وهو محاولة لتمرير «صورة طبيعية» للكيان الإسرائيلي الذي يحتل فلسطين وأراضي عربية أخرى.

ويأتي هذا القرار، في وقت يرتفع فيه صوت التحريض ضد العرب والمسلمين، عبر قنوات فضائية وصحف ومجلات وأفلام أميركية. ولكن، لا أحد يطالب بـ«معاقبتها»، ولا أحد يطالب بوقف حملات الإساءة للعرب، ولا أحد يطالب بوقف «سياسة المكيالين» الأميركية.

تطالب أميركا بالحرية، لكنها في الوقت ذاته تقمع أي صوت «يزعج» الشرطي «الأرضي فضائي». ومع أن مواثيق الأمم المتحدة تؤكد أحقية الشعوب في مقاومة الاحتلال، إلا أن مجلس النواب الأميركي يريد تكميم أصوات «المشاغبين»، حتى لو اقتضى الأمر «طعن» قيم الحرية والاستقلالية.

وفي الوقت الذي تنصّب أميركا نفسها «حامية» حرية تدفق المعلومات عبر شبكة المعلومات العالمية الإلكترونية، وتثير وزيرة خارجيتها «أزمة الإنترنت» بين بلادها والصين، وتهدد أي دولة تحدّ من حرية مستخدمي الإنترنت، بحرمانها من «نعمة» تقنيات القرن الحادي والعشرين، يخرج قرار من مجلس النواب الأميركي مطالباً بعقوبات ضد «فضائيات عربية». وهو بذلك يطعن مبدأ حرية الإعلام في قلبه تماماً. وبذلك يتجلى «الكيل بمكيالين».

ولكن، هل يمكن لمنظمات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة وغيرها من الدول أن ترفع صوتها أعلى من صوت «كاتم الصوت»؟

ali.alameri@emaratalyoum.com

تويتر