وجود متحقق

زياد العناني

يكتب وينجز بعض النقاد العرب دراسات كثيرة ومتشابهة يجمعها عنوان واحد هو «قصيدة النثر ما لها وما عليها».

غير ان هذا العنوان المراوغ سرعان ما نراه وهو ينقسم الى قسمين، وذلك حين يتم حذف الشطر الأول منه والاكتفاء بالشطر الثاني لجملة من الغايات، منها ان قصيدة النثر لم تدخل المدونة النقدية العربية على مجمل وجودها الإبداعي أو الجمالي، ومنها ايضاً أنها لم تخضع إلا إلى بعض التماثلات التي تتعلق بالشكل وحده، ومنها كذلك أنها لم تخرج بعد من المعركة مع الاتجاهات الأخرى التي لا تريد أن تمنحها شرعية الوجود المتحقق، على الرغم من تسيدها اللافت أمام إصرار من يريد أن يسبغ عليها جملة من التسميات مثل الخنثى والنثيرة والنص العابر للأنواع أو القصيدة الخرساء، وغيرها من التسميات التي تطرح للدفاع عن النمطية واستقرارها في المشهد الشعري العربي.

ألم يلحظ بعض النقاد التحولات التي قامت بها قصيدة النثر إلى الآن والتي تكللت بجهود بينة خلصت اللغة من الإنشادية، وأدت الى جملة من الفتوحات الإبداعية التي اعتمد على إرادتها الفوضوية، اضافة الى الإيجاز والتوتر ورسم الصورة الشعرية بلغة متفوقة؟

ألم يلحظ بعض النقاد أن وقوفهم الطللي عند انتهاك الموسيقى العروضية والتباكي عليها وعلى ظواهر العلة فيها والزحاف وتوابعه ما عاد مجدياً؟

ثم أليس غريباً أن يعيب ناقد ما على الشعرية العربية المتمثلة في قصيدة النثر بأنها مخترقة الزمان والمكان، ويؤكد أن مسيرتها الطويلة قد امتلأت بالتحولات الصاعدة والهابطة، من دون أن يفهم أن الشعرية العربية ليست حزباً ثابت الركائز والكوادر، وأن موقعه النقدي قد صار قديماً بالنسبة لنا؟

كل تجديد مغامرة وكل مغامرة تأخذ موقعها ولا عيب أن ينتقل الشعر العربي من شعرية الإنشاد الى شعرية الكتابة، وإنما العيب كله يتمثل في توقف بعض الشعراء عن الإبداع لاسترضاء ناقد ما لعله يخرج بصك اعتراف بشعرية لا يؤكدها النقد، وإنما يؤكدها النص فقط.

هل يعتقد هذا الناقد الإحيائي أن ما يقوم به الشعراء منذ بداية القرن الماضي مجرد انتهاك لا يملك حقاً شرعياً، وإذا كان الناقد مؤمناً بهذا الاعتقاد فلماذا يستشهد في جل كتاباته ببارت واليوت ورامبو وسوران يرنار؟ ولماذا لا يعود الى الرموز الإحيائية التي بلغت حد الترهل وهي تدافع عن مستقرها بحجج منها أن قصيدة النثر خيانة للغة العربية، وكأنها تكتب باللغة الهندية، وإنها مجرد نص بجذور غربية مع العمل على نسيان جذورها المستمدة من تراث سالف يتمظهر جلياً في ملحمة كلكامش وكتابات الصوفية النثرية ورسائل ابن العربي، وغيرها من الجذور التي تم تأصيلها فأكدت أنها شرقية قبل أن تكون غربية.

إن القول بهذه الحجج قول مضلل يتبن منه إخفاق النقاد في فحص تشكلات قصيدة النثر، والدليل على ذلك يكمن في وقوفهم التام عند نزعة التمرد على أشكال الاستبداد، متانسين أن هذه القصيدة قد حققت شرعية النص الذي استحوذ على جميع منابر النشر في العالم العربي وهذا هو مربط الفرس.

zeyad_alanani@yahoo.com

 

تويتر