لا تعضلها.. لو سمحت!

مصطفى عبدالعال

هل ينكر منصف ما تتعرض له بنات كثير من عائلاتنا للحجر عليهن في قرار الزواج؟ ومع الإقرار بوجود نسبة لا بأس بها من الأولياء لهم الحق في رفض بعض الخطاب لعدم مناسبتهم حقاً، لكن هناك من الرجال من يكون الدافع عنده أنانية مستترة، أخاً كان أم عماً أم جداً، وقد يكون رفضاً لاستقلال مادي تطالب البنت فيه بحقها من ميراث أو إيرادات، وقد يكون الدافع انسياق الأخ مثلاً وراء رغبة زوجته التي لا تريد لأخته الزواج نكاية فيها أو للإبقاء عليها لمصلحة خدمية أو مادية.. إلخ، وينسى هؤلاء أن ذلك سيبقى ويرد لهم في بناتهم! لذلك فإن ربنا سبحانه الذي يعلم أهواء النفوس، حذر من ذلك بقوله: {وَلاَ تَعْضُلُوهُن لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُن إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مبَينَة..} (النساء: 19). والعَضْلُ: هو منع المرأة تعسفاً من الزواج، لسوء استغلال سلطة الولي مع عجزها عن التصدي له، كما كرر الوصية بذلك في المطلقات بصفة خاصة فقال: {وَإِذَا طَلقْتُمُ النسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُن فَلاَ تَعْضُلُوهُن أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُن إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (البقرة: 232).

ليتنا نقف مع كل لفظ من الآية، وذلك لعلمه سبحانه أن المطلقة ينظر إليها المجتمع دائماً على أنها متهمة، بينما الواقع أن معظم الطلاق سببه الرجل الذي لم يتأهل لقيادة السفينة وحسن الرعاية والاصطبار للأخذ بيد زوجة جعله الله قيماً عليها، وزمامها بيده، وهو المطالب بالأخذ بيدها إلى بر الأمان. نهى الشرع عن عضل المرأة حتى لو كانت مطلقة أو ترملت، فكيف بالأبكار اللائي نعضلهن ونحن نظن أن مصلحتهن في هذا؟ أما يكفي أن يأمر الحق بتزويج كل أَيم، والأيم من النساء من لا زوج لها، بكراً كانت أم مطلقةً أم ترملت، والأيم من الرجال من لا زوجة له، فيقول سبحانه: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (النور: 32). ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مسكين مسكين مسكين رجل ليس له امرأة وإن كان كثير المال، مسكينة مسكينة مسكينة امرأة ليس لها زوج وإن كانت كثيرة المال». (المعجم الأوسط).

فمن مروءة الرجل المنصف أن يتحرى جيداً هل عنده من المبررات للرفض ما تبرأ به ذمته، أم عليه أن يسأل أهل الذكر حتى يفعل ما يرضي ربه ولا يضيع محارمه بالاكتئاب أو الانحراف حتى لو كان الضياع تحت مسمى الزواج العرفي السري؟

ولنتأمل هذا المشهد النبوي: عن عَائِشَة، أَن فَتَاةً دَخَلَتْ عليها فقالت: إِن أبي زَوجَنِي ابن أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ وأنا كَارِهَة، قالت: اجْلِسِي حتى يَأْتِيَ النبي، فَجَاءَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْه، فَأَرْسَلَ إلى أَبِيهَا فَدَعَاه، فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا (أي جعل القرار لها)، فقالت: يا رَسُولَ الله، قد أَجَزْتُ ما صَنَعَ أبي وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ أَلِلنسَاءِ من الْأَمْرِ شَيْءٌ؟ (رواه النسائي).

والجواب هنا: نعم للنساء كل الأمر، يقبلن أو يرفضن، فهل يترفق الرجل بالقوارير حتى لا يشرب من الكأس نفسها؟

المستشار التربوي لبرنامج "وطني"

mustafa@watani.ae

تويتر