السراب لا يطبع الكتب

أحمد السلامي

قلت سأكتب عن دبي، وعن سعيها لأن تصبح مركزاً لاحتضان الثقافة والإبداع ورفد وتمويل الانتاج المعرفي، وكيف أنها نجحت بالفعل عبر هذا التوجه في تقديم صورة جديدة تختلف عن الصورة الوحيدة التي تكرست عنها في الأذهان، باعتبارها ظلت ترسم الدهشة بمبانيها العالية وبكونها محطة اقتصادية عالمية تجاوزت خريطة الشرق.

صحيح أن الاقتصاد مهم جداً، لكنه بالنسبة لبعض المثاليين الغارقين في مجازات اللغة ليس جوهرياً، بمعنى أن ابراج دبي ونشاطها الاقتصادي اللافت تشبه في نظرهم عناقيد العنب البعيدة التي، طبقا للمثل الشعبي، عندما يعجز أحدهم عن اقتطافها يقنع نفسه بأنها لاتزال حامضة.

قلت سأكتب عن دبي بعد أن رأيت تباشير إصدارات «مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم» في مكتبات بيروت، ضمن مبادرة المؤسسة لتشجيع الترجمة والتأليف في البلدان العربية. المبادرة التي بلا شك ستعزز مكانة دبي ودولة الإمارات.

حين تحدثت مع أحد الزملاء بحماس عن أهمية مبادرة مشروع «ترجم» في هذا الزمن الأجرد، فوجئت به يتهمني بالمبالغة في التعويل على ما وصفه بالسراب!

نعرف أن كثيرين في القاهرة وبيروت وعمان والجزائر، يعبرون عن إعجابهم بهذا المشروع الذي بدأ بصمت ومن دون ضجيج، وبات يمثل هدية الإمارات للعقل العربي. ونعرف كذلك أن دبي تعيش في زمن تجاوز عصر المديح، لكن ما لا نعرفه حتى الآن هو السبب الذي يجعل البعض يرتدون أقنعة ذات ملامح عابسة ومتشائمة، وكان الانتماء للوسط الثقافي يستدعي العبوس والتشاؤم والتسلح بأقلام مغموسة في حبر عدواني.

ويبدو أن تلك الأقنعة العابسة قد صارت هي الوجوه الحقيقية لأصحابها، لدرجة أن البعض لم يعد بوسعه حتى أن يبتسم لنفسه.

خرجت من هذا الموقف حائراً في الثوابت التقليدية التي لايزال البعض في الوسط الثقافي متمسكاً بها من خلال الاستمرار في تقمص الشعور باليأس، والإبقاء على حالة من القطيعة مع الواقع وممكنات تغييره.

سقط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفييتي، لكن الجدران التي يبنيها بعض المثقفين العرب في ما بينهم وبين المستقبل، لا تزال قائمة، وكأن على المثقف واجباً حتمياً يفرض عليه أن يبدو ناقماً على اللحظة التي يعيشها ومشككاً في أي بادرة أمل تلوح في الأفق.

أعود إلى مشروع «ترجم» الذي بدأت ثماره تغزو المكتبات بالتدريج، وبالتالي فإن القارئ العربي سيكون على موعد في معارض الكتاب المقبلة مع سلسلة جديدة من الأعمال المعرفية والإبداعية الجديرة بالقراءة، ومن البديهي أن السراب لا يترجم ويطبع الكتب، بل ان الذي ينجز هذا العمل الاستثنائي هو المؤسسة التي تمول المشروع الذي يمثل، إذا ما استمر، بذرة لتحول ثقافي وتأسيس لانتقالة جديدة في الوعي بأهمية الالتفات نحو تمويل مشروع الترجمة والتأليف.

slamy77@gmail.com



 

تويتر