كن أمير المؤمنين.. لو سمحت!

مصطفى عبدالعال

بينما أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب والدنيا تسمع له، وإذا به يقطع حديثه للناس ويخاطب نفسه قائلاً: يا ابن الخطاب، لقد كنت صعلوكاً من صعاليك العرب، تعمل أجيراً عند نسائهم ورجالهم بتمرات. (في ما يُعرف في البلاغة بالتجريد، أي جرّد من نفسه شخصاً آخر وراح يخاطبه). ثم نزل وصلى بالناس، والناس لا يفهمون ما حدث حتى سأله بعض الصحابة: ما هذا القول الذي قلته على المنبر؟ فقال: حدثتني نفسي وأنا على المنبر بأني أمير المؤمنين، فأردت أن أفضحها على رؤوس الأشهاد!

فماذا عني وعنك وقد تجاوزنا الأسبوع الأول من رمضان، كم عدد مرات وقوفنا مع النفس فيه؟ ومن منا انتقل من النفس الأمّارة بالسوء إلى النفس اللوّامة؟ التي مدحها الله حتى أقسم بها تعريضاً {ولا أُقْسِمُ بِالنفْسِ اللوامَةِ} (القيامة:2)، ومن منا تجاوز اللوامة وترقى إلى النفس الملهمة؟ وفهم عن ربه قوله {وَنَفْسٍ وَمَا سَواهَا فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكاها} (الشمس:7-9)، ومن منا تجاوز النفس الملهمة إلى النفس المطمئنة حتى يتأهل لشرف نداء مولاه {يَا أَيتُها النفْسُ الْمُطْمَئِنةُ ارْجِعِي إِلَى رَبكِ رَاضِيَةً مَرْضِيةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنتِي} (الفجر:28-30)

فالأمارة بالسوء تزين السوء وتفرح به، ويتباهى صاحبها بفعله المخالفة ولا يستحي، فإن قاوم شهواته وفعل الصوم بمعانيه السامية انتقل إلى النفس اللوامة فيلوم نفسه عند الخطأ ويستحي، فإن ضاعف الجهاد واستعان بالذكر والعبادات ألهمه الله التفرقة بين الخير والشر قبل أن يقع فيه {فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْوَاها}، فإن أفلح وزكاها ومال عن الفجور إلى التقوى رزقه الله سبحانه مقام النفس المطمئنة لفعل الخير وبفعله، غير النادمة على ترك المعاصي، وهنا يعطيها درجة الرضا بما أعطاها في الدنيا من لذة الأنس به، وفي الآخرة من نعيم الجنات،مرضية برضاه سبحانه عنها وعما قدمت، فماذا فعلنا أو فعل بأنفسنا رمضان لنأخذ في هذا الدرب خطوات؟ لسانك هل ذكرتَ به عورة امرئٍ؟ وهل مازالت عيناك تبدي لك مساوئ غيرك؟ وماذا عن مساوئنا أنا وأنت معشر المعصومين، أفلا نستر ليستر علينا، ونغفر ليغفر لنا، ونخافه لنحظى بالجنتين؟ {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبهِ جَنتَانِ} (الرحمن:46)، جنة الرضا في الدنيا وجنة النعيم في الآخرة، فلنبدأ اليوم كي لا نكون ممن قَالَ عنهم صلى الله عليه وسلم «رُب صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ، وَرُب قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا السهَر». ولتكن بدايتنا بحفظ اللسان إيماناً منا بأن كل لفظ مسجل علينا، وعليه سنحاسب خيراً كان أم شراً، {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد} (ق:18). هذا بخلاف شربنا من الكأس المرّة نفسها التي نسقيها غيرنا:

لسانك لا تذكر به عورة امرئٍ

فكُلّك عورات وللناس ألسُنُ

وعينك إن أبدت إليك معايباً

فصنها وقل يا عين للناس أعين.

المستشار التربوي لبرنامج «وطني»

 

mustafa@watani.ae

تويتر