محنة أمين الزاوي

زياد العناني

حين حدثني الروائي الجزائري أمين الزاوي عن رواياته التي يكتبها باللغة الفرنسية، اعتقدت بداية أن الرجل غرّب من أجل التغريب، غير أن عبارته التي قال فيها: «عسير أن تتخذ للقلب لساناً آخر» يستبدل فيه اللغة العربية التي رأى أن علاقته معها تشبه علاقته مع حليب الأم جعلتني أتراجع، خصوصاً أنه أكد لي أن كتابته بهذه اللغة لا تعني سوى الهروب من حصار طال حريته ومخياله، وحتى اختياره للتراب الذي يمكن أن يعيش عليه.

في 1985 نشرت له أول رواية بعنوان «صهيل الجسد» بالعربية، إلا أنها منعت وكانت الحجج جاهزة وتشبه حكاية الخطاط ابن مقلة في القرن العاشر، وهي «مس المقدس»، على الرغم من أن الخطاب الروائي في«صهيل الجسد» مؤسس على لسان طفل يرى ويكتشف العالم من خلال جسده بكل براءة.

ثم بدأ تصنيف كتابات هذا الروائي ضمن همسات «الشيطان»، خصوصاً بعد أن تمت مصادرة روايته الثانية «السماء الثامنة»، وأحرقت في المدن الجزائرية أمام الناس.

غير أن ثقافة الكراهية لم تتوقف عند هذا الحد، فقد تعرض هذا الأستاذ الجامعي لمحاولات اغتيال من خلال تفجير سيارته وإطلاق النار عليه، و يتذكر الزاوي فترة الاغتيالات هذه بحسرة، بعد أن سقط في الجزائر، خلال سنوات الإرهاب والقتل، بين 1990-2000 ما يزيد على 60 كاتباً وصحافياً. وفي ظل هذا الكابوس، كان عليه أن يقرر، ففكر في الهجرة خارج الجزائر، حفاظاً على حياة أطفاله وحياة زوجته الشاعرة ربيعة جلطي، وبالتالي أخذت بعض المسافة لكي يتأمل هذا الجحيم.

وخلال تأمله، راح يكتب بالفرنسية، فكانت كتاباته استنكاراً وردّاً على أوضاع حصار الكتّاب والتضييق على حرية التعبير وحياة المبدعين، من دون أن تجعله ينظر إلى اللغة العربية نظرة تحط من جمالياتها.

وحين حاول للمرة الثالثة أن يكتب رواية بالعربية، وهي «رائحة الأنثى»، تجمهرت أزمته حين اطلع على النص المنشور، ووجد نفسه أمام نص آخر، وحين سأل الناشر عن سر هذا الحذف، قال له: كان علينا أن نعمل هكذا أو تمنع الرواية. وكانت صدمة أخرى، لأن السلطات العربية تدافع عن الدين وكأنه ملك لها، وهي الوصية عليه، إضافة إلى أنها تهاجم وتمنع الكتب والروايات، وكأنها هي حامية الأخلاق، وتمنع كل شيء باسم الخوف على «الوحدة الوطنية»، أو «الخطر الذي يحدق بالوطن من الخارج».

بيد أن الزاوي الذي أخذ بحرفية عبارة كاتب ياسين «على الكتابة أن تتمتع بقوة الاستفزاز» قرر أن يستمر في استفزازه، على ألا يكون الاستفزاز مجانيا، بل مؤسساً على قراءة وجمال ودرس، معتبراً أن الأدب الذي لا يثير نقاشاً وردود فعل أدب ميت، وأن ما يكتبه حتى بالفرنسية يقوم على تصور جمالي مؤسس داخل التراث العربي، وإن اختلف اللسان، وابتعد عن النطق عما يجول في الأعماق بلغة الأصل.

zeyad_alanani@yahoo.com

تويتر