الإدارة بالبركة !

جورج فهيم

يستطيع الساسة وخبراء الاقتصاد في الغرب تهدئة مخاوف الأسواق والناس حول قرب انتهاء أزمة الركود الاقتصادي استناداً إلى البيانات والمؤشرات الاقتصادية والإحصائية المختلفة، مثل حجم المخزون، ومبيعات التجزئة، ونمو الطلب الصناعي، والبطالة والتضخم، وكشوف الرواتب، وغيرها من المؤشرات التي يحتاجها أي قبطان اقتصادي للإبحار بسلاسة في وجه العواصف والأعاصير والأمواج العاتية، وخصوصاً في أوقات الأزمات.

ولكن ماذا يستطيع صانعو السياسات الاقتصادية في المنطقة العربية أن يقولوا؟! فأغلب هذه الأدوات والمؤشرات غير موجودة، ونحن نسمع عنها كما نسمع عن العنقاء والخل الوفي، وحتى الموجود منها يصلح للمتاحف وليس لإدارة عصرية لاقتصاد يعتمد على البيانات والمؤشرات الفنية التي ترصد التغيير، وتتنبأ بالمنعطفات وترسم مسار خطوات التصحيح وتمتد ببصرها إلى ما وراء الأفق في عالم تتشابك فيه المصالح وتتداخل فيه الأزمات.

وليس غريباً أنه في كل مرة يصدر فيها صندوق النقد الدولي تقريراً حول اقتصاد دولة عربية، أو تلتقي بعثة منه مع المسؤولين عن السياسات الاقتصادية فيها، تتصدر ضرورة توافر البيانات الإحصائية والمؤشرات مطالب الصندوق، الذي يعرض في كل مرة خدماته الفنية لمساعدة الدول العربية على تصميم هذه المؤشرات، التي يحتاجها صانعو السياسة الاقتصادية، مثلما يحتاج الطبيب إلى قياس النبض والضغط والحرارة لتشخيص حالة المريض.

ولا أعتقد أن المشكلة لدينا تكمن في الافتقار إلى المعرفة الفنية بكيفية صناعة وتصميم هذه المؤشرات، فلدينا جيوش من الإحصائيين وخبراء الرصد والقياس، كما لا أعتقد أيضاً أن المشكلة تكمن في البنية التكنولوجية اللازمة لتكوين قواعد البيانات والمعلومات، فكل الشركات والدوائر الحكومية تزخر بأحدث أجهزة الكمبيوتر التي يتم استبدالها من وقت لآخر تماشياً مع خطوط الموضة.

وفي اعتقادي فإن المشكلة الحقيقية تكمن في أنه لا يوجد طلب على هذا النوع من البيانات والمؤشرات من جانب الشركات، سواء كانت كبيرة أو صغيرة أو متوسطة، وسواء كانت شركات حكومية أو قطاع خاص، لأن المديرين لدينا يخشون دائماً من الحسد ويفضلون أسلوب الإدارة بالبركة بدلاً عن أسلوب الإدارة بالأهداف، ويعتقدون أن البحث عن البيانات إضاعة وقت، وأن قياس الظواهر الاقتصادية مثل غربلة مياه البحر.

وليس غريباً أننا لم ندرك أن هناك أزمة اقتصادية عالمية وركوداً طاحناً إلا عندما أخبرنا الغرب، ولذلك كنا آخر من تحرك لتقليص خسائره وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولا أعتقد أننا سنعرف أيضاً أن الركود تراجع وأن الأزمة انتهت إلا عندما يبلغنا الغرب بذلك، وسنكون أيضاً آخر من يتحرك للاستفادة من التعافي وتعويض الخسائر.

وباختصار هناك فارق كبير بين أن تكون لدينا اقتصادات قوية نتيجة وجود موارد طبيعية أو ميزة جغرافية، وبين إدارة هذه الاقتصادات بكفاءة وتوجيهها لتبحر في وجه الأزمات، وهذا لا يمكن أن يتم عن طريق التنجيم ووشوشة الودع!

 

georgefahim_63@hotmail.com

تويتر