كعب أخيل

ياسر الأحمد

تقول الأسطورة اليونانية الشهيرة إن والدة أخيل غمّسته في نبع الخلود حين ولد، فاكتسب المناعة ضد أي احتمال ما للخطر، لكن والدته كانت قد أمسكت به من كعبيه فيما هو منغمس في ذلك النبع، ولذلك صار كعباه نقطة الضعف الوحيدة في فضاء قوته الخرافي.

هذه أسطورة لبطل شارك في حرب طروادة التي يبقى حدوثها مجرد احتمال لا يمكن الجزم به نهائياً، رغم الاكتشافات الأثرية الحديثة في تركيا والتي تدعم فكرة قيام تلك الحرب. لكن المهم هو الدلالات المخفاة في تلافيف الحكاية، وهو ما يتطابق مع فكرة المثل «لكل باب مفتاح» ولكل بطل نقطة ضعف يمكن استغلالها للقضاء عليه.

الأبطال الضعفاء ليسوا حكراً على أساطير اليونان، ففي التوراة حديث عن «شمشون الجبار» الذي نذرته أمه للرب وامتنعت عن حلق شعره منذ ولادته، وهكذا تجمعت قوته وجبروته في خصلات شعره. وحين أحب فتاة من أعدائه فإن مفتاحه كان شعره، وهذه الفتاة استغلت نومه لتحلق شعره وتفقده جبروته. أيضاَ يبدو الضعف هنا في نقطة غير متوقعة وتبدو نهاية البطل تافهة وغير متوقعة ولا لائقة بهالته. تماماً كحياة حافلة تنتهي بسبب تعثر بقشرة موزٍ مثلاً.

أيضاً في إحدى نسخ «السيرة الهلالية» يتعثر أبو زيد الهلالي بغصنٍ أثناء مشيه، فيتمكن دياب بن غانم من ذبحه. ومرة أخرى كل «حربقة» أبو زيد سقطت أمام مجرد غصن.

الملكة الشهيرة «زنوبيا أو الزبّاء» تموت بعد ارتشافها سماً خبأته في خاتم تحسباً لهزيمة وقعت فعلاً. ومرة أخرى موت تراجيدي ولكنه أقل قيمة من حق البطل. يمكن رؤية نقص آخر في كمال البطل، ولكن عبر عاهة هذه المرة، فالبطل قد يكون أسود البشرة حيث يعتبر سواد البشرة نقصاً، وقد يكون أعمىً كما يحصل للأبطال من الكهنة. تقوم الأسطورة هنا بصناعة تاريخ شديد العظمة والتوهج للبطل، وتحيط ولادته بمظاهر خارقة للطبيعة وحوادث غريبة. لتتم صناعة التميز منذ اللحظة الأولى.

يمكن أيضاً لموت الأبطال أن يتسبب بحدوث كارثة عامة، قد يبدو هذا مفهوماً حين يكون البطل إنساناً، لكن الأسطورة قد تبرز حيواناً ليصبح البطل، كما في أسطورة «حرب البسوس» فناقة البسوس هي مركز الأحداث وموتها هو ما يفجر الأحداث ويطيح برؤوس أولاد العمومة وهذا نوع من تعريب الأسطورة، فالحيوان يمنح صفة التقديس من العنقاء حتى الثور أو البقرة أو ربما الخنفساء كما عند الفراعنة.

كل هذه التنويعات تحاول أن تعالج «عقدة البطولة»، فالبطل مهما تعددت وجوهه وأشكال ظهوره، فجوهره سيبقى متشابهاً، وهذا ما فصله الكاتب الأميركي جوزيف كامبل في كتابه «البطل بألف وجه».

ربما كان الإنسان يحاول التخفيف من صرامة البطولة باختراع نقاط ضعفها، ليصل إلى نتيجة مركزية، وهي أن البطل الحقيقي والمؤثر هو الإنسان العادي، وكل ما يحدث هو تضافر جهود مجموعة أناس عاديين، يصنعون تاريخاً بلا أبطال في محاولة لموازنة أبطال بلا تاريخ.

 

ytah76@hotmail.com

تويتر