من المجالس

عادل محمد الراشد

600 ألف أميركي فقدوا وظائفهم في شهر يناير الماضي فقط. هؤلاء ليسوا جميعاً عمالاً أو من صغار الموظفين، بل إن عدداً كبيراً منهم من المديرين وأصحاب الكفاءات العليا، ومنهم أصحاب تخصصات متميزة في ميدان الصناعة والإدارة المالية والإدارة العامة. هؤلاء الـ 600 ألف أضيفوا إلى الثمانية ملايين ونيف التي حققها رقم البطالة في أميركا بعد الأزمة المالية التي انطلقت شرارتها من واشنطن لتحرق الأرض في سائر أرجاء العالم. وفي لندن طرد الحي المالي «سيتي أوف لندن» أكثر من 160 ألفا من موظفيه من مواقع عملهم. ويوصف أغلب هؤلاء «المفنشين» بأنهم من أصحاب الكفاءات العليا في قطاع المال والأعمال. وعلى هذا المنوال يبدو قطاع الأعمال في الدول الصناعية الغنية كالتي نقضت غزلها. ولم يعد النقض يفرق بين صاحب كفاءة وخبرة عالية وعمالة يدوية أو ربما هامشية، لأن الأزمة لم تعد تفرق بين قطاع منتج وقطاع متطفل يتعيش على الفضلات، ويتضخم بالزوائد، وينتفخ هواءً. ولذلك فإن معايير البطالة في العالم، ودول الغرب خصوصاً، هذه المرة لن تكون تلك المعايير المعروفة، ونتائجها لن تكون في حساب المألوف، وبالتالي فإن تداعياتها ستكون مختلفة بكل المقاييس، وبناءً عليه فإن قواعد اللعب في سوق العمل ستتعرض لكثير من التغيرات. فهذه الكفاءات العالية، والخبرات الكبيرة أصبحت معروضة في السوق بشكل لا يختلف كثيراً عن المستوى الذي تتمتع به العمالة البسيطة، ليس في مستوى القدرات ولكن في مستوى الشروط ومساحة المناورة التي تمتلكها هذه الطاقات والخبرات للحصول على الوظيفة. فقد تبدلت الكراسي وتغيرت المواقع، وبحكم الكثرة وزيادة العرض فقدت هذه الكفاءات الكثير من قدرتها على المطالبة، وصار عليها القبول بأقل الشروط إذا أرادت أن تخرج من مأزق البطالة وضمان الوظيفة، أصبح هذا واضحاً في كل العالم، وفي مصدر إنتاج هذه الكفاءات والخبرات، حيث سيادة مبدأ العرض والطلب، إلا عندنا فلايزال القادمون من الخارج، وليسوا كلهم أصحاب كفاءات عالية، يفاوضون بمعايير ما قبل الأزمة، بل ربما لا يحتاجون إلى مفاوضات لأنهم لايزالون المفضلين.

 

adel.m.alrashed@gmail.com

تويتر