الاسم والضمير والهوية

يوسف ضمرة

لا تُكتب القصة في الغرب، إلا وكان اسم الشخصية صريحاً. ثمة شخص ما، مرتبط بحكاية أو واقعة ما، يتم سردها على القارئ. ولا تُكتب القصة العربية إلا وكان الضمير بديلاً للاسم.. هو أو هي أو أنا أو أنت.. إلخ.

لماذا يسمي الكاتب الإسباني بطله (خيمينيث)، بينما يستبدل الكاتب العربي (هو) بأي اسم صريح؟

في الغرب، ثمة بنية ثقافية واجتماعية وسياسية مكتملة. وثمة قوانين تحفظ للفرد حقوقه وتحدد واجباته. ويستطيع هذا المواطن أن يقف نداً بالقانون أمام أكبر مؤسسات الغرب وشخصياته. أي أنه مواطن حر. والمواطن الحر ليس نكرة. إنه(جورج) و(خيمينيث) و(يوهان). أي أن هنالك كياناً فردياً مكتملاً ومحصناً، ما يجعل اسمه جزءاً رئيساً من هويته.

وفي الشرق، بنية اجتماعية وثقافية وسياسية هشة ومختلة. ولأن المواطن العربي لا يتمتع بأي حقوق عملية، فإنه لا يشكل كياناً فردياً مكتملاً، ما يعني أن الاسم هنا فقط للتفريق بين زيد وعمرو، وليس جزءاً من الهوية.

المواطنون العرب قطيع عند المؤسسة الرسمية والحزبية والدينية والقبلية. ولا فرق بين (محمود) و(عبدالله) في هذا القطيع. وعليه فإن الكاتب العربي لن يكون معنياً بالاسم في قصته، وسيكتفي بالضمير!

وإذا كانت القصة كتابة تعتمد في كثير من الحالات، الإيهام بالواقع الموضوعي، فهي مضطرة في الغرب إلى سرد حكاية (جورج) من دون سواه، على الرغم من كونها حكاية تحدث في بنية محددة، وبين أناس آخرين. أي أنها تظل حكاية خاصة. أما نحن فلا خصوصيات لنا في مجتمعات مصمتة. فإذا تعرض(جورج) إلى ظلم المؤسسة الرسمية، فإن هذه حكاية جرت له ومعه ككيان حر. أما حين يحدث الأمر ذاته لمواطن عربي، فيكفي أن نستخدم الضمير، لأن الشخص يمكن أن يكون أي واحد في القطيع، ما يجرد الاسم من قيمته ودوره كعنصر رئيس في الهوية.

وإذا كان لكل فرد في المجتمع الغربي كيانه الحر، فإن ذلك لا يعني انفصال هذا الكائن عن منظومة قيمية شاملة، لكنه يعني تمتع الفرد بحصانة إنسانية متساوية. ولذا فإن أي انتهاك لهذه الحصانة، يعني قصة مستقلة ذات أبعاد فردية وجمعية في الوقت نفسه. بينما الفرد في المجتمعات العربية محروم من هذه الحصانة، ما يعني أن أي خلل يصيب هذا الفرد، إنما هو أمر طبيعي ذو بعد واحد فقط. أي أنه لا يختلف عما يصيب الآخرين.

وإذا كنا نحن من يحافظ على بنيتنا (القطيعية) هذه، فإن الغرب يدرك مدى ضعفها وهشاشتها، الأمر الذي ييسر له التعامل مع الإنسان العربي رقما. وهكذا لم يتوان الأمين العام للأمم المتحدة عن القول في خلال زيارته منطقتنا أثناء العدوان الصهيوني على غزة: لقد صار عدد الضحايا صعب الاحتمال. إذاً فالعدد هو الذي لم يعد يُحتمل، مع التنبيه هنا إلى أن الاحتمال لا يرتبط بالأمين العام نفسه، بل بما يعنيه ارتفاع العدد من احتجاجات كونية قد تترك أثرها في النظام السياسي الدولي كله.

العدد لم يعد محتملاً. كان ذلك والشهداء قد شارفوا على الـ،1000 بينما تقوم الدنيا ولا تقعد لموت شخص واحد في الغرب.



darma1953@yahoo.com
تويتر