صناعة التشاؤم

جورج فهيم

في أوقات الركود تصبح صناعة التشاؤم الصناعة الأسرع نمواً في الاقتصاد، ومع التشاؤم فإن الحقائق الأساسية والمفاهيم الرئيسة تصبح الضحية، ويتم القفز فوقها واجتزاؤها والتعامل معها بطريقة فيها من التعميم المخل، أكثر مما فيها من التحليل المدل.

وصحيح أن الاقتصاد الإماراتي سيتأثر كغيره من الاقتصادات الخليجية بركود الاقتصاد العالمي والانخفاض الحاصل في أسعار البترول بنسبة 72٪ عن ذروته، لكن من الصحيح أيضاً أن الاقتصاد الإماراتي في وضع أفضل من غيره، ليس فقط للوقوف في وجه العاصفة، وإنما في الخروج منها أقوى بصورة تسمح له بلعب دور رئيس كثاني أكبر الاقتصاديات العربية، والشواهد التاريخية تؤكد ذلك، فقد استطاع الاقتصاد الإماراتي أن يبلي بلاءً حسناً خلال أزمتي الركود اللتين جاءتا على أجنحة حرب الخليج الأولى والثانية.

وفي الحقيقة، فإن قدرة الاقتصاد الإماراتي على تحمّل «المطبات» الاقتصادية لم تأتِ من فراغ، وإنما كانت نتيجة لرؤية اقتصادية ثاقبة بعيدة المدى اختارت سياسة التنويع الاقتصادي منهجاً، واعتمدت إقامة قاعدة تجارية ومالية وسياحية وتعليمية وصحية هدفاً.

وليس سراً أن الاقتصاد الإماراتي تضاعف نتيجة ذلك خلال عقد واحد من الزمن، وليس سراً أيضاً أن 65٪ من إجمالي الناتج المحلي للإمارات يأتي من قطاعات ليس لها علاقة بالبترول، وهي ميزة توفر للاقتصاد الإماراتي ليس فقط المرونة اللازمة للتعامل مع الأزمات، وإنما مصادر بديلة متنوعة لمواصلة النمو حتى في أوقات الركود.

والسر الثاني وراء مهارة الاقتصاد الإماراتي في التعامل مع الأزمات، هو الشراكة الفريدة من نوعها التي تبلورت بين الحكومة والقطاع الخاص، والتي سمحت للقطاع الخاص بتنفيذ أكثر من 50٪ من إجمالي الخطة الاقتصادية، وهذه العلاقة التبادلية التفاعلية تسمح للحكومة والقطاع الخاص بتبادل وتكامل الأدوار وفقاً للظروف الاقتصادية السائدة عالمياً ومحلياً، ففي الأوقات التي يتوقع أن يكون فيها الركود طويلاً وعميقاً، تقود الحكومة دفة النمو الاقتصادي وخلق الوظائف من خلال مشروعات البنية الأساسية التي تعوض الانخفاض في أنشطة القطاع الخاص، وعندما تمر عاصفة الركود ويخرج القطاع الخاص من مرحلة البيات الشتوي يجد الطريق ممهداً أمامه لقيادة مرحلة جديدة من النمو اعتماداً على الطاقة الاستيعابية الاقتصادية الجديدة التي خلقتها الحكومة في المرحلة السابقة.

والسر الثالث وراء مقدرة الاقتصاد الإماراتي على التعامل مع الأزمات بكفاءة يرجع إلى المهارة في استخدام أدوات السياسة النقدية، سواء في ما يتعلق بسعر الفائدة أو سعر الصرف أو حجم السيولة المتوافرة في الأسواق، وهذه الأدوات تقوم بدور «فاتح الشهية» الذي يحفز النمو ويمكن الاقتصاد من التعافي.

وهذه الحقائق تشهد بها سلسلة طويلة من التقارير الاقتصادية الدولية المحايدة.

فمؤسسة «غلوبال انسايت» تضع الاقتصاد الإماراتي في المرتبة نفسها مع اقتصاد سنغافورة وتايوان وماليزيا من حيث الثبات والاستقرار، كما أن مؤسسة «مودي» منحت في تقريرها السنوي الأخير القوة المالية والاقتصادية للإمارات مرتبة «ايه ايه2» وهي الرتبة نفسها التي كان يتمتع بها في عام 2007 أي قبل أن يطل علينا الركود برأسه.

وللأسف فإن أغلب من يفرطون في التشاؤم لا يتجاهلون فقط هذه التقارير، وإنما يفتقرون إلى الإلمام بالتعريف العلمي للركود وكيفية قياسه، فوفقاً للمعيار المشترك الذي وضعه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي للركود، فإن الاقتصاد لا يجوز أن يوصف بأنه في حالة ركود إلا إذا حقق إجمالي الناتج المحلي نمواً سلبياً لأربعة أرباع متتالية مقارنة مع الأرباع الأربعة السابقة، وهذا ما لم يحصل مع الاقتصاد الإماراتي.

georgefahim_63@hotmail.com

تويتر