نظرات أطفال غزة!

سامي الريامي

وقف الصبي الفلسطيني الذي لا يتجاوز الخمسة عشر ربيعاً أمام مراسلة قناة «بي بي سي» يجيبها بجمل مؤثرة قالها بكل عفوية، لكنها كانت تدل على حجم الألم اليومي الذي يعيشه أهل غزة، والذي لا يمكن وصفه بكلمات أو صور أو لقطات من كاميرا تلفزيونية، قال لها «أتعتقدين أننا على قيد الحياة؟ نحن ببساطة ننتظر وصول لحظة الموت إلينا، الموت لم يأتنا إلى الآن، لأن وقت زهوق الروح لم يحن فقط».

بكل تأكيد الحياة في غزة ليست أفضل من الموت بشكل كبير، فلا فرق عملياً بين الإثنين، ولربما الموت أرحم، هذا ما كان يرمي إليه الصبي الصغير الذي سأل المذيعة بدوره: «كم تحتاجين من الوقت لإعداد كوب من الشاي؟ دقائق معدودة صح؟ أتعرفين كيف نصنع الشاي في غزة؟ إذا كنت محظوظاً ووجدت الماء، وكيسة شاي، عندها سأبدأ في تسخين الماء على لهيب شمعة، ويعني ذلك أني سأظل أمسك الإبريق ساعات طويلة حتى أكره اليوم الذي فكرت فيه بشرب الشاي».

ويضيف الفتى، الصغير في عمره، والكبير من هول المأساة التي يعيشها «هذا على مستوى «كاسة شاي»، فهل يمكن أن تتخيلي ما الذي يمكن أن نفعله لإعداد وجبة طعام؟ لقد أحرقنا كل شيء من أجل الطبخ على النار، أوراق «كراريس» و«كتب» المدرسة، ملابسنا القديمة، أحذيتنا، ليس هذا فقط، بل كسرنا كل أبواب البيت وأحرقناها حتى نعد وجبة طعام واحدة، فماذا تبقى كي نحرقه للوجبات التالية؟!».

ومع هذا العذاب كله، فالموت يحيط بغزة من كل جانب، بالفعل هم على قيد الحياة، لأن ساعة زهوق الروح لم تحن فقط، فيما عدا ذلك فلا يمكن أبداً أن نقارنهم بأي حيّ على سطح الأرض.. جوع وموت بطيء، وصورايخ وقنابل ورصاص وحرائق وتهديم بيوت في كل ساعة، أو بالأحرى 21 ساعة في اليوم بعد أن «ضغط» العالم على إسرائيل، فاستجابت إلى قرار تعليق عمليات «الموت» ثلاث ساعات في اليوم، وذلك «للسماح لسكان غزة بتدبير احتياجاتهم»!وبعد انقضاء تلك الساعات الثلاث، تعود حمم الجحيم لتصب على رؤوس الأطفال والنساء والعجائز، الذين لم تحمهم حتى المناطق المحميّة من قبل «الأمم المتحدة» من القصف والتفجير..حتى «الأمم» كلها عاجزة عن وقف قتل الأطفال، وهي التي تتغنى دوماً بحقوق الإنسان، وصحة الطفل، والحرية والعيش الكريم!

آخر القول «قضت الحياة أن يكون النصر لمن يحتمل الضربات.. لا لمن يضربها».

ربما لن يكون النصر حليف أطفال غزة في يوم من الأيام، لكنهم أبطال بوقوفهم أمام الهمجية الإسرائيلية، يحتملون الضربات تلو الأخرى والغارات تلو الأخرى، ويستقبلون الصواريخ بأجسادهم التي مزّقها الجوع والبؤس..

يقفون ضد جبناء الحرب، ومرتكبي الجرائم، ويتحمّلون انتهاكات العدو بحق كل ما يمت إلى الإنسانية والبشرية. نعم النصر لمن يحتمل الضربات، لا لمن يضربها، وهذا ما يؤكده الواقع الميداني؛ إسرئيل تضرب وتقصف وتفجر وتقتل وهي خائفة.. تمتلك القوة والجبروت، وتمارس البطش، وتخشى من نظرات أطفال غزة الممتلئة بالغضب والصمود والصبر.

 

reyami@emaratalyoum.com

تويتر