ثلج الرضا
«من جائزة نوبل أحب فلوسها»
من لقاء للجواهري
أفضل أن أقرا مقالاً يفكك نصاً أدبيا متميزاً، ويدلني على مكامن الجمال فيه وجوانب الضعف، بدلاً من أن أسمع بحصوله على جائزة أدبية ما.
حصل معي هذا عندما قرأت مقالاً يتحدث عن عالم الروائي التركي، أورهان باموق، وقدراته الجميلة في تفكيك مجتمعه، فكان أن قادني هذا المقال لقراءة بعض أعماله المترجمة للعربية وأحببته، واستمتعت بما يكتبه قبل أن يفوز بجائزة نوبل، لا شك ان الجائزة منحته متلقين إضافيين، وجمهوراً أوسع، لكنها لن تلج عمق ما كتبه فتغيره، وسيكون من العبث أن نبحث عن جماليات نصوصه مستضيئين بأنوار «نوبل».
وهذا ينطبق على نجيب محفوظ عربياُ؛ فمشروعه الروائي أنجز قبل «نوبل». والجائزة ليست أكثر من مكافأة نهاية خدمة، مستحقة بالطبع، وهي مكافأة أشاعت نحوه جواً من الحسد وشتى التفسيرات السياسية والثقافية، وهي إن صدقت أحياناً، فهي تتناسى السبب الأهم وهو تميّزه وقدرته على خلق مدينته الفردية والمعبرة عن المجموع في الوقت ذاته.
في الواقع يمكن أن نسمي الجائزة الأدبية مقالة نقدية لكن بالعملة الصعبة، فهي نتيجة تقويم نقدي متخصص، ولكن عيوبها لا تعد ولا تحصى، تماماً كقيمتها المادية الكبيرة أحياناً. فقلما منحت جائزة أدبية للأدباء الشباب كما حصل حين منحت جائزة مجلة «شعر» للشاعر العراقي السياب، وحينها لم تكن شهرته تطرق الآفاق، كما حصل بعد وفاته، ففي أغلب الجوائز يكون الفائز صاحب اسم معروف ومتداول، ولن تكون الجائزة سوى ترسيخ لشهرته المسبقة. ليس هذا حكما عاماً بطبيعة الحال، فبعض الجوائز تقدم مواهب شابة ومميزة، كما فعلت جائزة مجلة «الناقد» في تسعينات القرن الماضي، حين أطلقت أسماءً كهدى بركات وسليم مطر كامل وسواهما، ولكن الطريف أن تقوم لجنة الجائزة بتبني نشر رواية فائزة ثم حين يتم نشر الرواية تجد الكاتبة أن الرواية المنشورة مقصوصة الجناحين وعاجزة عن النطق لأن مقص الرقيب «لعب فيها الطسة» كما يقول الشوام. وهذا ما حدث مع رواية أبنوس للروائية الشابة، روزا ياسين حسن، ويحدث في عالم الجوائز أن يرفضها الأديب، ويبرر رفضه محتجاً، ويستثمر الفرصة لإعلان موقفه من قضايا تهمه، كما فعل سارتر مع «نوبل» أو صنع الله إبراهيم في مصر.
لكن الأدهى أن تكون للجوائز مافيا ثقافية خاصة بها، وبالذات إذا كانت قيمتها المادية كبيرة أو كانت دور نشر ضخمة تريد الترويج لبعض منشوراتها، وهذا يحدث في كل مكان، وقبل فترة صدر في باريس كتاب يحكي عن فضائح الجوائز الأدبية، فصاحب دارٍ للنشر يعرض على عضو لجنة التحكيم سيارة على سبيل الهدية، بالإضافة إلى إعادة طبع كتبه القديمة. وآخر يقدم له رحلات ترفيهية حيث يشاء، والقضية في النهاية ذات منشأ مادي، فالكتاب الفائز سيبيع مليون نسخة على الأقل؛ وهذا مخرج مناسب من أي ضائقة مالية، ولمَ الاستغراب.. ألم يكن الخلفاء يعطون مادحيهم وزنهم مالاً.. وهذا من ذاك؟!