ثقافة المدوّنات

خليل قنديل

 
ما من شك بأن ثقافة الصورة وثورة المعلوماتية قد اجترحتا إمكانات جديدة لمفهوم التواصل والقراءة بشكل خاص الى الدرجة التي يُمكن فيها القول إن ما أحدثته ثورة المعلوماتية يكاد يكون انقلاباً في طعم القراءة وشكلها.
 
فالقارئ الذي كان في زمن سابق لحدوث ثورة المعلوماتية، يقبع ويقيم بشكل مطلسم في منطقة التلقي، انتقل من حالة التلقي بمشاهدة الحبر المطبوع الى حالة الصورة المرتجفة على سطح الكمبيوتر، وصار بفضل ما يُمكن ان تتيح له المواقع أن يتدخل في النص الإبداعي ويعلق عليه.
 
والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل ذهب الى امكانية أن يُقيم القارئ قلعته الكتابية الخاصة في تلك المساحة التي أُقترح تسميتها بالمدونات. ففي داخل هذه المدونة أصبح بامكان القارئ أن يُسطر ما يشاء من الأفكار والاقتراحات.
 
ولم يكن من باب المصادفة أن قامت بعض الجهات الأدبية البريطانية، بمنح فتاة عراقية جائزة السيرة الذاتية، عن يومياتها التي دأبت فيها على رصد حالة التدمير اليومية التي يحدثها الاحتلال الأميركي للعراق، اضافة للحرب الطائفية هناك.
 
الفتاة الفائزة التي كتبت يومياتها بلغة بسيطة ومباشرة لم تكن تتوخى إنجاز حالة كتابية تستند إلى مرجعيات إبداعية وأدبية، بل كانت تكتب كل ما يُمكن ان يخطر ببالها من انفعالات بسيطة ومباشرة. إن هذه الاشارة تنبئ عن قفزة للقارئ من مكانه القصي الذي كان قائما على التلقي، الى مكان جديد ربما أخذ نصف حبر الكتابة الابداعية.
 
إن الانقلاب القرائي الذي أحدثته ثورة المعلوماتية بدأت تتخلق منه امكانات قرائية أخذت تهدد كل ما هو مطبوع ومحبر ويمكن ملامسته باليد. فالمواقع الإلكترونية أصبحت تشكل ملاذاً لديمقراطية البوح والتعبير عن كل ما كانت الانظمة السياسية في دول العالم الثالث تمنع الجهر به، وتقصيه نحو منطقة المسكوت عنه تاريخياً. ولم يعد من باب المصادفة ان تتفشى المواقع العربية المُختصة بجرأة التعبير السياسي والثقافي، الى الدرجة التي بات فيها أكثر من موقع عربي على سبيل المثال يهدد اساسيات هذا النظام السياسي العربي أو ذاك. بحيث صار العديد من الانظمة السياسية العربية يبحث عن السُبل التكنولوجية التي يقدر من خلالها على حجب هذه المواقع وتكميم اصواتها.
 
إن الشعارات والمنشورات السرية التي كانت فيها التنظيمات السياسية في دول العالم الثالث تكتبها ليلاً على الجدران، وتوزعها بشكل سري في منشورات سرية، صارت بفضل ثورة المعلوماتية وانتشار المواقع تصل الى أي كان بلمسة سريعة لنابض الكمبيوتر.
 
ومن جهة اخرى فقد ذهبت ثورة المعلوماتية الى أبعد من ذلك حين أصبحت قادرة على تهديد الصحافة المطبوعة، وذلك عن طريق الصحافة الالكترونية، التي صارت قادرة على ان تواكب الأخبار في العالم لحظة بلحظة، مثلما صارت قادرة ايضا على ادخال القارئ في مناقشة الخبر الصحفي والتعليق عليه، والاعتراك مع مُحرره.
 
وآخر تجليات ثورة المعلوماتية هو ما أقدم عليه بعض دور النشر الغربية، في طرح فكرة الكتاب الالكتروني، وتحقيقها. والتي ستتيح للقارئ بأن يأخذ الوضعية التي يريدها في القراءة وتقليب الصفحات. إننا نعيش في زمن استطاعت فيه ثورة المعلوماتية أن تقلب كل المفاهيم القرائية والاتصالية. ولعل القادم اعظم من كل هذا بكثير.  

khaleilq@yahoo.com

  
تويتر