الاعتدال

عادل محمد الراشد

   

أصابت إدارة «مول الإمارات» عندما اختارت كلمة «ثقافة الاعتدال» عنواناً لدعوتها زوار السوق لالتزام السلوك الحسن واحترام ثقافة مجتمع الإمارات وتقاليد أهله. فقد جاء العنوان أعمق بكثير من كلمة «الاحتشام»، وأبعد في مضامينه الثقافية. فإذا كان التزمّت في الدين والتعصب للثقافة الخاصة يسمى تطرفاً، فإن الاستهزاء بتعاليم الدين والانفلات في تحدي النسق الأخلاقي والثقافي والاجتماعي تحت لافتة الانفتاح هو في الحقيقة تطرف بحاجة إلى علاج.


ولذلك فإن الاحتشام مصطلح يصب في خانة تكريس ثقافة الاعتدال، فالاعتدال ليس أمراً خاصاً بمن يوصفون بالمتشددين في الدين، والمتمسكين بتفاصيل طغت على الأصول، وأولئك الموصوفين بـ «الماضوية» الذين يتنكرون للعصر وتطوراته، والزمن وتقلباته، والاجيال وتعاقباتها، ويصرون على رفض الجديد بعدوانية العاجز عن صد الحجة بالحجة، ومقارعة الثقافة بالثقافة.


الاعتدال مطلب موجه لكل من نسي نفسه ومجتمعه وثقافته وهويته، وراح يحلق في وهم الانبطاح بذريعة الانفتاح، وغلبته الظنون بأن الأخلاق من فعل كان وأخواتها، وأن الدعوة للاحتشام نوع من التعدي على الحريات الخاصة، وأن مواكبة العصر لها ضرائب لابد من الاستعداد لدفعها، وإن كانت من ثوابت الهوية الوطنية ومن نسق المجتمع الأخلاقي والثقافي.


وقد تسلل هذا المفهوم المختل إلى قناعات الكثير من المواطنين والمواطنات، ووصل إلى درجة الاستسلام إلى مفهوم الذوبان في تركيبة سكانية واجتماعية أصبحت أمراً واقعاً، يبدو الإقرار باستحقاقاتها جزءاً من الاندماج والانفتاح لمعانيه الناقصة. لذلك كان لابد من الإشارة وبوضوح إلى أن هذا الفكر هو نوع صارخ من أنواع التطرف، لا يقل خطراً عن التطرف باسم الدين، ويستدعي التدخل لوقف تداعياته وحماية المجتمع من اضراره.


وقد اختارت إدارة «مول الإمارات» الموعظة الحسنة، في حدود مكانها وصلاحياتها، وهي بذلك تفتح لسائر مؤسسات المجتمع أبواباً أخرى للبدء في تطهير المجتمع وثقافته من الدخيل المضر. وهو ما نتمنى أن يكون جزءاً من برامج الدعوة للدفاع عن الهوية الوطنية التي أطلقها صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله.
 
تويتر