تسرد فصولاً من سيرتها في «روايتي لروايتي»

سحر خليفة تطوف بين محطات العمر

جرعة تحتفي بالكتاب ومنابع المعرفة في شهر القراءة بالإمارات.. تطلّ على عناوين مازالت محمّلة برائحة المطابع.. تبرز إهداءات إلى البلد الطيّب أو لأعزاء محلّهم القلب، وتغريدات من عالم غير افتراضي، واقتباسات من ندى الماضي البعيد، وغيرها مما تيسّر.. علّها تكون إشارات إلى حدائق ذات بهجة: الكتب في شهرها.


بين محطات العمر الحقيقية والإبداعية، تطوف سحر خليفة في «روايتي لروايتي»، لتنبش من جديد في السيرة، حياةً ومواقف وكلمات، ولتكشف عن تجارب ذاتية أفضت إلى شخصيات على الورق، عايشتها - أو حتى عاشتها هي نفسها - تحت سقف بيت في نابلس أو بيرزيت أو طرابلس أو حتى أميركا، لتفرض نفسها على فضاءات صاحبة «الصبّار».

ببوح غير مهادن، تنطلق المبدعة الفلسطينية، التي حازت العديد من الجوائز في سيرتها «روايتي لروايتي»، مستدعية فتاة كانت ممسوسة بالألوان مبكراً، وحين اطلع الفنان إسماعيل شموط على بعض ما تصنع، نصحها بأن الموهبة وحدها لا تكفي، ولابد لها من ظرف يحافظ عليها، لكنها فقدت رغماً عنها البوصلة، كما تروي، دخلت تجربة زواج قاسية، ولم تنفذ بجلدها إلا بعد سنوات، حاولت الحفاظ على البيت لأجل الأمومة والبنتين، لكنها لم تستطع. رغم أن الكاتبة تنطلق في «روايتي لروايتي»، التي صدرت حديثاً عن دار الآداب اللبنانية، من لحظة التحرّر من زوج كسر القلب، ولم يكسر القلم، إلا أنها تستغرق في ملامح «أم البنات» وتفاصيل «دار العائلة»، وتنتقد مجتمعاً يعتبر الذكر هدية، بينما الأنثى غير ذلك، وتحكي باستفاضة في السيرة عن الوالد «العريس»، والأخ الذي جاء على شوق، والحادث المأساوي الذي تعرّض له. من تجاربها الذاتية؛ استشعرت سحر خليفة التي ترجمت أعمالها إلى العديد من اللغات، مدى ما تعانيه المرأة في مجتمعها، في بيت الأب، والزوج، والشارع، وحتى في أوساط من يدعون الثقافة والثورية، إذ تعري حكايا سحر خليفة بعض هؤلاء، وتراهم وجوهاً مزيفة، لا تختلف كثيراً عن أبٍ ترك بناته الثماني، وبحث عن عروس تهبه الولد، ولا عن زوج مقامر يهين زوجته ويساومها على كل شيء.

سؤال كبير

خرجت سحر خليفة من تجربة الزواج بمسودات الرواية الأولى: «لم نعد جواري لكم»، التي كتبت فصولها في طرابلس ليبيا، وفقدتها أكثر من مرة، الأولى عندما مزقها الزوج، والثانية حينما حاولت تهريبها من جنود الاحتلال بعد أن نسختها في دفاتر واجبات بناتها، ولكن صادرها الأوغاد: «ربما ما حدث لروايتي يلخص ما يحيق بنا كشعب فلسطيني، وكأمة عربية، إذ إن الاحتلال الإسرائيلي صادر نسخة الرواية المنسوخة، وصادر نسخة الرواية الأصلية زوجي العربي، فأي المصادرتين أوجع وأبلغ! هذا هو السؤال الكبير الذي لم أتمكن حتى الآن من الإجابة عنه بكل وضوح، ولا استطاع أي كاتب أو محلل أو مفكر أن يجيب من دون تناقض والتباس». لم تفقد سخر خليفة الأمل، إذ كتبت الرواية من جديد أكثر من نسخة، وفي النهاية رأى العمل النور في دار المعارف المصرية، بعد أن تحمّس له المشرف على النشر، حلمي مراد، الذي بشّر بمولد روائية جديدة.

إعادة تشكيل

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

وبخصوص رواية الحياة؛ كانت سحر خليفة في تلك المرحلة شابة، وأماً لبنتين «وفي عرف المجتمع مطلقة بلا حارس ولا حصانة، أي إن الوصول إلي، في نظرهم، متاح»، لكنها في الوقت الذي ألحقت طفلتيها بالمدرسة في نابلس، صارت هي الأخرى طالبة في جامعة بيرزيت، التي تعترف الكاتبة بأنها أعادت تشكيلها، وفتحت عينها على الدنيا من جديد: «أتاحت بيرزيت لي فرصة العيش لأول مرة في أجواء تحترم الفن والإبداع والتميز، تشجع المواهب بصرف النظر عمن يكون صاحب الموهبة».ورغم أن سحر خليفة ترتحل مع عوالم روايات أخرى: «الصبّار» و«عبّاد الشمس»، و«مذكرات امرأة غير واقعية»، إلا أن «شهرزاد» لم تُنهِ روايتها لروايتها، إذ تعد القارئ بأنها ستطل بجزء ثانٍ، فمازال لديها حكي، وكذلك روايات عن مرحلة أخرى حرجة، وما أكثر المراحل الحرجة في سيرة فلسطين وناسها.

جرعة تحتفي بالكتاب ومنابع المعرفة في شهر القراءة بالإمارات.. تطلّ على عناوين مازالت محمّلة برائحة المطابع.. تبرز إهداءات إلى البلد الطيّب أو لأعزاء محلّهم القلب، وتغريدات من عالم غير افتراضي، واقتباسات من ندى الماضي البعيد، وغيرها مما تيسّر.. علّها تكون إشارات إلى حدائق ذات بهجة: الكتب في شهرها.

 


محمد إسماعيل

mismail@ey.ae

تويتر