رأي اقتصادي

الضريبة في اقتصاد ما بعد «كوفيد-19»

كانت لجائحة «كوفيد-19» تداعيات وخيمة على الأعمال والشركات في مختلف أنحاء العالم.

وقد اتخذت دولة الإمارات، منذ بدء انتشار الوباء، سلسلة إجراءات للتخفيف من تداعياته عن الاقتصاد.

وفي هذا الإطار، أُعلِن في عام 2020 عن خطط تحفيز ضخمة تستهدف الشركات والأعمال في الدولة، وقد بلغت قيمتها مئات المليارات من الدراهم، واشتملت على إلغاء عدد كبير من الرسوم المفروضة على الخدمات الحكومية، وتقديم حسومات على فواتير التشغيل، والانتفاع من الخدمات العامة.

هذه المقاربة هي عين الصواب، لأنه يجب إلغاء مختلف الرسوم الإضافية في أوقات الأزمات، كي لا ترزح الشركات، وروّاد الأعمال الذين هم بمثابة الشريان الذي يضخ الحياة في الاقتصاد، تحت عبء الضرائب والضريبة على القيمة المضافة، لاسيما أنهم يعانون الأمرّين بسبب التباطؤ الاقتصادي.

فالشركات التي تتكبّد خسائر في الظروف الراهنة، يجب أن تتمكّن من اقتطاع هذه الخسائر من مجموع أرباحها عندما تتحسن الأوضاع، ويجب ألا يُثقل كاهلها بالضرائب.

في الأزمنة العادية، تُستخدم الضريبة على القيمة المضافة (VAT) بمثابة أداة أساسية لتعزيز النشاط الاقتصادي، والحفاظ على دوران عجلة الأسواق، من خلال نقل الضريبة الاستهلاكية في كل مرحلة من مراحل سلسلة التوريد من الإنتاج إلى المستهلك.

لكن في فترات التباطؤ الاقتصادي، تعمد البلدان المتقدّمة ذات الهيكليات الاقتصادية السليمة، على إصلاح نظام الضريبة على القيمة المضافة، من خلال خفضها أو إلغائها، أقلّه بصورة مؤقتة.

وهذه الإجراءات من الوسائل الأساسية التي تستطيع الحكومات الاستعانة بها لدعم القطاعات الاقتصادية المختلفة، ومساعدة الأعمال على استعادة نشاطها بصورة طبيعية إلى حين السيطرة تماماً على الوباء.

من شأن اتخاذ تدابير مؤقتة لخفض الضريبة على القيمة المضافة، أقله لمدة تراوح من بضعة أشهر وصولاً إلى عام أو أكثر، أن يسهم إلى حد كبير في تحفيز الطلب الاستهلاكي، لاسيما عند تطبيق هذه التدابير في قطاعات محددة، مثل المواد الغذائية والفنادق والمطاعم والسياحة، وهذا الإجراء المؤقت يمكن تطبيقه بسهولة وسرعة.

سيبث ذلك جرعة زخم في الاقتصاد على المدى القصير بحيث يتيح للمستهلك، من خلال عدم تسديده الضريبة على القيمة المضافة، الاحتفاظ بقدر أكبر من الدخل القابل للإنفاق، وبالتالي استخدامه في الاستهلاك بما يحفز الحركة الاقتصادية.

وهذا ما يُعرَف بـ«الأثر على الدخل»، ومن مفاعيله الإيجابية أنه يشجع المستهلك على شراء الأغراض التي يرغب في الحصول عليها بدلا من تأجيل شرائها في إطار ما يعرف بـ«أثر الاستبدال»، وذلك لأنه يُفيد من تدني أسعارها بصورة مؤقتة.

ويتضافر الأثر على الدخل وأثر الاستبدال معاً لتوليد تأثير مضاعف، بحيث إن الأشخاص يتجهون إلى إنفاق المزيد وشراء كميات أكبر من السلع، ما يقود مباشرة إلى زيادة الطلب على المنتجات أو الخدمات التي تُقدّمها الشركات، وهذا بدوره يؤدي إلى استحداث مزيد من الوظائف وزيادة المداخيل والأرباح، وبالتالي تحفيز الإنفاق وتوليد دورة إيجابية ومثمرة.

ومن الواضح تماماً أن ذلك يتيح تحقيق فوائد جمة في ظل الأوضاع الراهنة، حيث يحاول سوق العمل التعافي بعد الأزمات والإخفاقات التي طبعت عام 2020.

من شأن خفض الضريبة على القيمة المضافة، أو إلغائها بصورة مؤقتة، أن يحقق نتائج فعالة، لاسيما حين تتمكن الشركات من تلبية الطلب الإضافي على منتجاتها وخدماتها، الذي يحفزه انخفاض الأسعار.

وقد شهدنا في أماكن كثيرة حول العالم، منها دبي ولندن، أن المستهلكين أقبلوا على التسوّق والشراء بعد إنهاء الإغلاق العام، أو رفع الإجراءات التي تقيّد حركة الأشخاص، وكأننا أمام حالة من التهافت على «الشراء الانتقامي»، للتعويض عما يعتبرونه فقداناً للسيطرة على خياراتهم الاستهلاكية وعاداتهم التسوّقية خلال مرحلة الحجر والإغلاق.

وفي هذا الصدد، سيسهم خفض الضريبة على القيمة المضافة، مقروناً بخطط التحفيز المطبقة راهناً، في تحقيق نتائج ممتازة، ما يساعد على تعزيز الاقتصاد الذي يعاني تداعيات الوباء.

لكن ينبغي على الحكومات التحرك سريعاً للنظر في خفض الضريبة على القيمة المضافة أو إلغائها، فالتوقيت مهم كي يتسنّى تطبيق هذه التخفيضات لفترة كافية، قبل أن يعاد العمل بالمستويات السابقة للضريبة على القيمة المضافة، بحيث يتزامن ذلك مع الانتعاش الطبيعي في الدورة الاقتصادية.

خلافاً لأشكال أخرى من التحفيز، يمكن تطبيق هذه التخفيضات على نحو سريع، ويمكن استخدامها للإسهام في زيادة الطلب على المنتجات والخدمات، بعد تخفيف قيود التباعد الاجتماعي وغيرها من الإجراءات، أو إلغاؤها في مرحلة ما في المستقبل.

وتكشف معطيات وأدلة سابقة أن خفض الضريبة على القيمة المضافة، أو إلغاءها، أسهم فعلاً في إعادة الإنفاق الاستهلاكي إلى حالته الطبيعية.

مؤسس ورئيس مجلس إدارة مجموعة الحبتور

تويتر