كل يوم

كنوز أثرية على مقربة منا.. ولم نرها!

سامي الريامي

شعرت بحرجٍ شديد، عندما سألني صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي: «هل زرت منطقة مليحة الأثرية؟»، ويكمن الحرج طبعاً في كوني لم أزرها مطلقاً، رغم أنني قرأت الكثير عنها، وعن الاكتشافات الأثرية فيها، ورغم أن المنطقة ليست بعيدة، ونمر عليها أنا وغيري من المواطنين بشكل دوري.

لكن سموه بطيبته وتواضعه وسمو أخلاقه رفع الحرج عني فوراً، وقبل أن أنطق بالجواب، فقال: «لابد من تنظيم رحلة لكم، للتعرف عن قرب إلى تلك المنطقة»، فكان ما أراد، حيث نظم المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة زيارة للإعلاميين إلى مركز مليحة والمناطق الأثرية هناك، فكانت بحق رحلة جميلة ومفيدة جداً.

المنطقة تجعل الزائر يعيش أجواء المغامرة الحقيقية في أعماق صحراء الشارقة، وفيها من المناظر الطبيعية الخلابة ما يأسر القلب ويريح العقل والعين، ومشروع مليحة هو مشروع شامل للسياحة البيئية والأثرية، ونقطة جذب سياحية جديدة، ويُعد نموذجاً فريداً من نوعه يجمع بين التاريخ والطبيعة والثقافة، ويُقدم تجربة ترفيهية جديدة لعشاق المغامرة في أحضان الطبيعة الساحرة.

لم أكن أتوقع أنا وإخواني الإعلاميون أن هناك معلومات عن الإمارات لم نسمعها من قبل، وفي مركز مليحة للآثار حدث ذلك، حيث الكثير من القطع الأثرية المكتشفة، التي تعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد، تحمل تفاصيل ومعلومات عن المنطقة بشكل عام، والإمارات بشكل خاص، وعن بدايات حياة الإنسان وعبوره لهذه المناطق، حينما كانت المسافة بين قارة إفريقيا وآسيا كيلومتراً واحداً عبر باب المندب!

ما إن وطئت أقدامنا أرض مركز مليحة للآثار، لأول مرة، حتى دخلنا في آلة الزمن التي عادت بنا إلى الماضي، لتكتشف العديد من الأجيال التي استوطنت المنطقة، وتعاقبت عليها خلال حقب زمنية عدة، بدءاً من العصر الحجري القديم، والعصر الحجري الحديث، والعصر البرونزي، والعصر الحديدي، والعصر الجاهلي «فترة ما قبل الإسلام»، والعصور الإسلامية الحديثة، بما في ذلك التعرف إلى مزايا هذه العصور من حيث التاريخ والنظام الاجتماعي والغذائي والطقوس، والتأثير العالمي في تصميم الفخار والفن والمجوهرات والأدوات المستخدمة!

ما يلفت النظر أن هذه المنطقة، التي هي جزء لا يتجزأ من دولتنا الفتية اليوم، تؤكد بامتياز الأهمية ذاتها التي تعيشها الإمارات، اليوم، باعتبارها نقطة جذب ووصل بين حضارات ودول العالم، حيث تثبت المكتشفات الأثرية مدى التواصل والترابط بين منطقة مليحة ومختلف الحضارات منذ آلاف السنين، منها على سبيل المثال اكتشاف مبخرة مزخرفة بشكل أنثوي، وحليات هندسية مصبوغة باللون الأحمر في زخارف شريطية، يمكن أن تكون أصولها من الساحل الباكستاني الإيراني لمكران، فضلاً عن اكتشاف جرة (أمفورا) مصرية ذات طينة حمراء اللون، تعود في فترتها إلى القرن الأول الميلادي، وأوعية مزججة تعود بفترتها إلى ما بين القرن الثاني قبل الميلاد والقرن الرابع الميلادي، وهي مستوردة من بلاد الرافدين (العراق أو سورية)، إضافة إلى كسر فخارية من اليونان (الفخار الأتيكي)، وجرار فخارية، وكسر فخارية ذات طينة حمراء مصبوغة وعليها نقوش ورسوم مستوردة من الهند أو باكستان، تعود بفترتها إلى ما بين القرن الأول الميلادي، وحتى القرن الرابع الميلادي.

بالفعل إنها منطقة مملوءة بالكنوز المعلوماتية والأثرية، ولاشك في أننا مقصرون في عدم زيارتها، لذا فإنني أدعو جميع المواطنين والمقيمين إلى عدم تفويت هذه الفرصة، وزيارة المنطقة، هم وأبناؤهم، فجميل أن يطلع الجيل الجديد على تاريخ سحيق، وجميل أن تبقى مثل هذه المعلومات في ذاكرة أبنائنا!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر