5 دقائق

عندما انتصر التلفزيون

عبدالله القمزي

الصديق ومتابع صحيفتنا يوسف أحمد لوتاه متغلغل في كل أنواع خدمات الفيديو عبر الإنترنت، وكل صباح يزودني بتقرير مفصل عما يصلح للمشاهدة، وبالأعمال الأحدث في هذا المجال، وكان أول من أبلغني بفوز مسلسل «هاند ميدز تيل» بجائزة المسلسل الأفضل في فئة الدراما هذا العام.

عاشت صناعة التلفزيون لحظة تاريخية عندما فاز هذا المسلسل، والسابقة في فوزه أنه يعتبر إنتاجاً تقنياً خالصاً؛ لأنه صناعة خدمة «هولو» لبث الفيديو على الإنترنت، وهو أول فوز لمسلسل لا يبث عبر قناة تلفزيونية تقليدية.

عام 2013 كانت هناك سابقة مماثلة غيرت وجه صناعة الترفيه عندما عرضت خدمة «نتفليكس» لبث الفيديو عبر الإنترنت، أول مسلسل من إنتاجها «هاوس أوف كاردز» ووضعت كل حلقاته دفعة واحدة أمام المستخدم، الذي أصبح غير مضطر للانتظار أسبوعاً حتى يشاهد أي حلقة منه.

هذا معناه أن الكفة تميل بصورة أوضح من أي وقت مضى لصالح تلفزيون الإنترنت على حساب القنوات التقليدية؛ لأن الأول يموّل من اشتراكات المشاهدين وبأسعار رمزية والثانية تمول بالدعايات.

هذه جولة صغيرة من المعركة الأكبر التي تجري بين أكبر وسطين ترفيهيين: السينما والتلفزيون، والتي دخلت الجولة الثالثة في هذا العقد.

بدأت المعركة لحظة دخول التلفاز إلى البيوت في أول الخمسينات من القرن الماضي، وبعكس السينما التي احتقرها الناس لحظة ولادتها، فإن التلفزيون حظي باهتمام كبير وبدأ انتشاره يطرح أسئلة عن جدوى الخروج من المنزل لمشاهدة شيء ترفيهي.

انحازت التقنية إلى السينما في تلك الجولة الأولى، وتم اختراع نظارات البعد الثالث 3D، بالإضافة إلى الشاشة العريضة (سينما سكوب)، وانتصرت السينما.

في الثمانينات انطلقت الجولة الثانية عندما انحازت التقنية إلى التلفاز هذه المرة باختراع جهاز الفيديو وأشرطة VHS، وبازدهار صناعة الفيديو انتشرت عادة مشاهدة الأفلام في البيوت، لكن أسطورتي السينما آنذاك جورج لوكاس وستيفن سبيلبيرغ غيرا مجرى التاريخ عندما انحازا للشاشة الكبيرة بابتكار ما سمي آنذاك بـ«الفيلم الحدث»، آخر السبعينات أو «بلوكباستر». ونتيجة ازدهار هذه الأفلام في الثمانينات، سحقت السينما التلفزيون بفضل أفلام مثل: «حرب النجوم» و«إنديانا جونز» و«إي تي».

الجولة الثالثة نشهدها هذا العقد تحديداً، من أبرز سماتها انتشار خدمات الفيديو عبر الإنترنت «نتفليكس»، و«هولو»، و«تلفزيون آبل»، و«أمازون برايم»، ويعود للتقنية الفضل في دخول تلك الخدمات كلاعبين رئيسين في صناعة الترفيه العالمية.

انتصر التلفزيون في هذه الجولة، ومن أهم سمات انتصاره اختفاء أصناف سينمائية بارزة مثل الأفلام التاريخية وأفلام الجرائم وأفلام الجاسوسية. تفوق التلفزيون على السينما سببه قوة النصوص وليس أي سبب آخر.

لم يعد أمام السينما أي حل سوى العودة إلى الأساسيات، فلا نظارات 3D تنفع ولا صالات البعد الرابع تعتبر حلاً، فهذه كلها حيل تسويقية، ولا حتى المؤثرات الخاصة مجدية، وهي التي اعتمدتها الاستوديوهات لجذب الجمهور، وهي ليست سوى عنصر مساعد أو بهارات تضاف إلى الطبخة.

ختاماً: سبب ازدهار السينما في العصر الذهبي كان بسبب قوة النصوص، وهذا المقصود بالعودة إلى الأساسيات. هل تعلمون أن كل الأفلام التاريخية المنتجة هذا العقد أخفقت بسبب مسلسلين: «لعبة العروش» و«فايكنغز»؟ السبب: قوة النصوص.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر