كل يوم

عندما يمتلك حاكم رؤية مستقبلية واضحة

سامي الريامي

عندما أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مدينة دبي للإنترنت عام 1999، كثيرون أبدوا استغرابهم لهذه الخطوة، فالإنترنت لم تكن منتشرة بشكلها الحالي، بل إن كثيراً من الدوائر والوزارات، وحتى القطاع الخاص، كان يعتمد بشكل أساسي على المعاملات اليدوية، والمجتمع لم يكن مهيأ أساساً لاستقبال ثورة الإنترنت، بل كان بعضهم يهاجم الانسياق وراء هذه التقنية، ويدعو إلى عدم استخدامها!

الأكثر من ذلك، أنني لازلت أذكر جيداً ذلك المؤتمر الصحافي، الذي عقده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في عام 2002، والذي أعلن خلاله عزم دبي على التحول إلى مركز عالمي للتجارة الإلكترونية، وكشف فيه عن قرب إصدار قانون خاص بالتجارة الإلكترونية، عندها خرج معظم حضور المؤتمر من تجار ورجال أعمال، وحتى إعلاميين، وهم في قمة الدهشة، يسأل بعضهم بعضاً: ما التجارة الإلكترونية؟ كيف سنبيع ونشتري البضائع عبر شاشات الكمبيوترات؟ عن ماذا يتحدث محمد بن راشد؟!

هذا باختصار يعكس مدى رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فرؤيته كانت تمتد 15 عاماً لتتضح اليوم بجلاء، فدبي سبقت العالم العربي في التطور التقني والخدمات الإلكترونية، لأنها بدأت مبكراً قبل غيرها، وبفضل تلك الرؤية والسياسة المنفتحة لسموه أصبحت دبي اليوم مركزاً إقليمياً وعالمياً لأكبر وأفضل الشركات الدولية، لم يعد ذلك مجرد كلمات متراصة في جمل من أجل الإشادة والمديح، بل هي حقيقة كرّستها أمس صفقة الاستحواذ التي وقّعتها شركة «أمازون» لموقع «سوق دوت كوم»، بمبلغ يفوق المليار دولار، خصوصاً أن موقع «سوق دوت كوم»، هو نتاج ووليد تلك المدينة التي أسسها محمد بن راشد عام 1999!

البنية التحتية الإلكترونية التي بناها محمد بن راشد في ذلك العام، وبإمكانات لم تكن كبيرة، بقدر ما كانت ذكية وسباقة، هي التي أسهمت بعد 18 عاماً في جعل دبي مركزاً ومنصة تستخدمها أكبر الشركات العالمية للانطلاق حول العالم، والوصول إلى ما يقرب من ملياري نسمة يعيشون حولنا، فشركة بحجم «أمازون»، التي تفوق عائداتها مبلغ 135 مليار دولار، وأصولها 83 مليار دولار، تعرف تماماً أهمية الصفقة التي نافست عليها، وأهمية المنطقة التي ترغب في التوسع فيها، وأهمية المدينة التي ستنطلق منها، ففي هذا العالم لا مجال للمجاملات، بل هي الأرقام والحقائق التي أسهمت في إبرام الصفقة، والحقيقة الواضحة هي أن دبي أصبحت مركز الأعمال والتجارة الإلكترونية في هذا الجزء من العالم.

رؤية محمد بن راشد أسهمت في تحويل المدينة إلى مركز عالمي. وتحول دبي إلى هذه المكانة أسهم بشكل مباشر في رفع مكانة وقيمة جميع الشركات التي آمنت واقتنعت بتلك الرؤية، وهذه المدينة، فاستفادت بدورها، ونمت بشكل متوازٍ مع نمو دبي، و«سوق دوت كوم» خير مثال على ذلك، فالشركة تأسست منذ 10 سنوات في مدينة دبي للإنترنت، وأصبحت أحد أكبر اللاعبين في قطاع التسوق الإلكتروني، وعندما بدأت «سوق دوت كوم» عملها كانت التجارة الإلكترونية غير معروفة تقريباً في الشرق الأوسط، قبل أن يعلن عنها محمد بن راشد، وفي ذلك الوقت، كان يعمل خمسة أشخاص في الشركة في دبي، أما الآن فلديها 3000 عامل في جميع أنحاء العالم العربي، وباعت أكثر من ثمانية ملايين منتج في 31 فئة، وهذا هو نموذج واضح لنجاح شركة، ضمن مدينة ناجحة، يحكمها حاكم يمتلك رؤية واضحة للمستقبل.

reyami@emaratalyoum.com

twitter@samialreyami

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر