أبواب

حجم الممحاة

أحمد حسن الزعبي

تعودنا أن نهتم بثيابنا أكثر من أبداننا، وببياض أسناننا أكثر من بياض قلوبنا، فالمهم ما يظهر للناس ويراه الآخرون، لا ما نخفيه تحت عورة الروح. نهتم بأن يكون ما نلبسه «موضة»، وألوانه جميلة، وتفصيله مناسباً وعصرياً جداً، لكن ليس مهماً أن تكون كروشنا مدلوقة من تحته، أو أردافنا تفسد طموح المصمم.

دليل آخر على أننا روّاد مظاهر، تابعوا على أي فضائية عربية نصف ساعة من البث، وعدّوا كم دعاية وإعلاناً لمساحيق الغسيل التي تؤكّد أنها تمحو البقع الصعبة على الملابس، كلها تؤكّد أنها الأفضل، والأنصع بياضاً، والأقدر على إزالة الأوساخ العنيدة.

**

الكنديون ذهبوا إلى ما هو أهم من مساحيق الغسيل، فعلماء جامعة «تورنتو» توصلوا، أخيراً، إلى طريقة لمحو الذكريات السيئة من أدمغة البشر، والتخلص من بقع الماضي المؤلم، الذي يفسد الروح كلما ارتدت رداء السعادة.. العلماء في جامعة تورنتو سعوا، من خلال اكتشافهم الجديد، إلى مساعدة فئات كبيرة من البشر، لاسيما الجنود الذين كانوا شهوداً على عمليات القتل والتفجير، أثناء مشاركتهم في حروب خاضتها بلادهم، الأطفال الذين وعوا على جرائم لا يستطيعون أن يتخلّصوا منها في كوابيسهم، نزلاء السجون، شهود التعذيب، حضور الاغتصاب الجماعي، وغيرهم الملايين الذين كانوا ضحايا أو شهود عيان بالإكراه.

المهم، أن الدراسة تقوم على إنتاج بروتين معين بشكل مفرط في الدماغ، الأمر الذي يؤدي إلى إثارة الخلايا العصبية التي تنتج الذكريات السيئة، حيث يقوم هذا البروتين بمحوها، والبداية كالعادة كانت مع الفئران، طبعاً لا تسألوني: وماذا يحمل «الفأر» من ذكريات سيئة؟ أقول ربما «قط نشيط»، «فخّة»، «تسمم شقيق»... إلخ، لكن أرجوكم لا تسألوني كيف تأكد العلماء من أنهم مسحوا الذكريات السيئة، فهذا ما لا أستطيع الإجابة عنه.

**

المهم أتمنى أن تقوم جماعة «تورنتو»، ما غيرهم، بتفعيل بروتين مضاد للبروتين الذي اكتشفوه أخيراً، على أن يعمم علينا نحن العرب تحديداً، لأننا ننسى بسهولة وسرعة فائقة الذكريات المؤلمة، نسينا فلسطين بشهدائها، نسينا العراق بضحاياها ونخلها، ونسينا سورية المطرّزة بأكثر من خمسة ملايين لاجئ، وأكثر من مليون ضحية ومفقود، نسينا أيلان الكردي، ونسينا «عمران» الحلبي، ونسينا عبدالباسط الإدلبي، وها نحن نجلس بأكفاننا ننتظر بشارة الداية على باب «جنيف 4».

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر