مزاح.. ورماح

«وهل تُرجى المودّة من جحود..؟!»

عبدالله الشويخ

من أفضل ما يمكنك أن تفعله حين ترى شخصاً عزيزاً عليك يتعرض لموقف صعب أو مؤلم في كرامته، هو أن تتصنّع السرحان أو العبث بالهاتف أو تدّعي بأنك لم ترَ أو تلاحظ كرامته وهي تُهدر، وأنت بهذا تقوم بالحفاظ على ما تبقى منها فيه. بالطبع الأمر يختلف تماماً حين يستنجد بك! وهكذا أمرّ بجوار منزل صديقي وجاري وأسمع بوضوح صوت معزبته وهي تقذفه بأقذع الألفاظ، ثم تقذفه هو شخصياً خارج المنزل تماماً في لحظة مروري أمام بابه، لأدّعي بكل خلق بأنني لم أسمع أو ألحظ شيئاً، إلا أن نظرة استجداء التعاطف في عينيه لا تترك لي المجال، أعانقه وأنا أقول كاذباً: لا تبتئس كلهن سواء.. إنني أتعرض لهذا النوع من التنمّر بشكل يومي.

يلين ويبدأ في الاعتراف: لا أعلم ما الذي جرى لها، حين اكتشفتْ بأنها حامل غضبت بشكل هستيري وبدأت تقذفني بكل ما تصل إليه يداها.. لا أعلم سبب غضبها رغم أنها المرة الثامنة.. ألا يجب أن تكون قد اعتادت على ذلك؟

الأمر كان محرجاً فعلاً، فأولاً سخافة أن يتعرض بوعيال للتنمر من زوجته، وثانياً الموضوع بكليته محرج للقريب قبل الغريب، ما الذي يفترض بي أن أقوله له؟ كان يجب أن تكون أكثر حذراً؟ اشترك في أحد برامج تحديد النسل؟ ادعُ أن تطيش ضربة الجزاء القادمة؟ أصبحت الناس تتشاجر عند قدوم الرحمة! الأمر يستدعي فعلاً أن نراجع طريقة تفكيرنا تجاه حسنة (الحمد)! المصيبة التي غضبت زوجة جاري بسبب وقوعها من دون تخطيط مسبق تتمناها آلاف النساء حول العالم، إن لم تكن ملايينهن، خصوصاً وهي تعلم بأن طفلها سيخرج إلى أحد أفضل الأماكن في العالم لتنشئة طفل وتربيته بعيداً عن بيئات الحروب والفوضى والعقد.. ربما الأخيرة ليست دقيقة تماماً.

اعتاد المتبطرون، أخيراً، ألا يلاحظوا إلا النقم ويغضّون الطرف عن آلاف النعم.. هو يلعن الشوارع والازدحام الخانق، لكنه في المقابل لا يفكر في أن هذا الازدحام يعني بطبيعة الحال أن الناس تُقبل عليه، وأنه قد أصبح في وسط صحرائه يستقطب من أطايب العقول والقلوب ما شاء.

يلعن التركيبة السكانية ولا يلاحظ أن البعض في زوايا متفرقة من العالم يضرب أكباد الأبل لكي يتعرف ويرى أناساً يختلفون عنه ويتحدث إلى ألسن وثقافات مختلفة؛ بينما يكفيه هو الجلوس على أي طاولة في أي مقهى للتعرف إلى عشرات الثقافات التي جاءت تعرض نفسها عليه في ساعة واحدة.

نصلّي في كل يوم 17 ركعة ونحمد في أولها دون أن ينعكس مفهوم الحمد على أي شيء، أو تصرف أو طمأنينة في أخلاقنا وفيما تدور به المقادير من حولنا.. لماذا لست أعلم؟ وقد قلت لك مسبقاً إنني مثلك هنا أطرح أسئلة أنا لا أعرف إجاباتها، لكنني أحاول أن أتساءل.. ربما - وفقط ربما - أن سبب عدم تأثير الحمد علينا بأننا لا نفهمه، ولا نعرف ما يترتب عليه من الفعل.. أو ربما أنك مثلي تتلو الحمد وأنت تفكر في الكيفية التي تجعل فيها «الدوشيش» يسقط في حجرك قبل أن يقوم الآخرون بتوزيع الأحجار!

Twitter:@shwaikh_UAE

#عبد الله_الشويخ

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر