5 دقائق

الشمائل المحمدية

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

للنبي صلى الله عليه وسلم شمائل عظيمة، وهي الصفات التي كان عليه الصلاة والسلام متحلياً بها جِبلّة، فطره الله تعالى عليها، وحلاّه بها ليحمل رسالته التي أرسله بها إلى خلقه، فلابد أن يكون على أوج الكمال الخِلقي والخُلقي، ليكون ذلك أدعى لقبول دعوته، وتقبل شريعته، لأن النفوس البشرية تأبى القبول ممن لا يكون على هيئة الكمال، وقد أجمل الله تعالى أخلاقه العظيمة بآية واحدة، وهي قوله سبحانه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وفصّلها في آيات كثيرة، فزكى عقله، وفؤاده، وصدره، وعينه، وجسده الشريف، وتعامله، ليعلم الناس أن مثله يجب أن يُتبع، لأنه كامل الخلق والخُلق، ومثله لا يقول إلا حقاً، وقد كان ذلك الكمال إحدى معجزاته العظيمة، حيث لم يُر لها خلل ولا زلل، وتفصيل ما أجمل في الكتاب المبين تحدث عنه أصحابه البررة الكرام، رضي الله عنهم، فنقلوا لنا ولادته، وما حدث عندها من آيات بينات، ونشأته، وما كان معها من خوارق للعادات، وصفاته التي حلاه الله تعالى بها في جميع الحالات، وأسرته التي طهرها الله من المعاصي والسيئات، وسيرته معها حتى الممات، ونهجه مع أصحابه وما كان فيها من تجليات، ومغازيه التي كان ملؤها الرحمة للبريات، ومع الحيوانات العجماوات، التي عرفته بما فطرها الله من الإدراكات، والكائنات الجمادية التي تحن إليه من غير أناة.. وما كان له مع الملأ الأعلى في السماوات، وغير ذلك مما أخبر به من المغيبات.

• نحن في زمن طغت فيه الماديات على جواهر العلم وفنون المعارف الإيمانية والنبوية.

ونقلوا كذلك، لأنه مما يتعين على الأمة معرفته ليعرفوه فيحبوه ويتحقق لهم الإيمان، ويعزروه ويوقروه فيطبقوا ما أتى به القرآن، ويتبعوه فيكونوا على منهاجه الذي به يتمايز الثقلان، ويستنبطوا من ذلك الهدى والأحكام فيكونوا على منهج الإسلام، وهذه من مسلمات النصوص وناصعات البرهان، ومع ذلك فقليل من الأمة من يعتني بهذه الشمائل، فتجد كثيراً من الناس لا يعرفون نسبه الشريف، ولا شيئاً عن نشأته، فضلاً عن دعوته، ولا شيئاً من شمائله، فنشأ عن ذلك جفاء في القلب، وبعد عن المنهج، ثم توالت المخالفات، فضلاً عن المنكرات، وذلك ما يستوجب حرمان شفاعته، والبعد عن منزلته، صلى الله عليه وآله وسلم.

ولقد كان للسلف الصالح من محدثين ومؤرخين وأرباب التزكية عناية كبيرة ببيان شمائل المصطفى، صلى الله عليه وسلم، فألفوا كتب الشمائل الحديثية، كما فعل الحفاظ الكبار، منهم الترمذي وأبوالشيخ الأصبهاني وأبونعيم والبيهقي والمستغفري وابن شاهين والفريابي والبغوي، ثم القاضي عياض والقسطلاني وابن ناصر الدين الدمشقي والسيوطي، وغيرهم كثير، كل ذلك ليبينوا للناس أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيعرفوه حق معرفته، حتى لا يكونوا به جاهلين، ثم عن نهجه معرضين أو مقصرين.

ونحن في زمن طغت فيه الماديات على جواهر العلم وفنون المعارف الإيمانية والنبوية، ففشت القسوة، فلم تعد رحمة النبي صلى الله عليه وسلم سائدة بين أمته، وكثر التنطع، فلم تعد السماحة التي بعث فيها منتشرة، ونمت الأنانية والطمع في الدنيا، فلم يعد الإيثار والزهد في الفانية منهجاً للتعامل بين الناس، إلى غير ذلك مما لا يحمد.

ولست أقول هذا تشاؤماً، بل هي حقيقة مُرة يتعين الاعتراف بها، والعمل على معالجتها، ولا تكون المعالجة الناجحة النافعة إلا بمعرفة شمائل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تنشأ المحبة الكاملة، والاتباع التام، والسلوك القويم.

وهي واجب المناهج الدراسية، والمربين الفضلاء، والدعاة الصادقين المخلصين، والمجتمع كله، ليتعلم الصغير من الكبير، والأولاد من الآباء والأمهات، وإلا كانوا جميعاً مقصرين، وسيشمل الجميع ما نعاه الله تعالى على من حملتهم عدم المعرفة برسول الله أن أنكروا رسالته وهديه، كما قال سبحانه: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ}، وكم نسمع من مثل هؤلاء اليوم، لا كثّرهم الله.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر