مزاح.. ورماح

«إللي يضيَّع ذهب!»

عبدالله الشويخ

بعدما وصل جواب أهلها بالرفض، جاءت تنقل الخبر إليّ بعينين دامعتين، يا ويح قلبي لو أنهن يعلمن كيف يضيف خط الدموع فوق الجفن الأسفل عليهن جمالاً ملائكياً لما توقفن عن البكاء قط، قلت لها هل تثقين بي؟ أجابت بإيماءة من رأسها، أخبرتها بقراري الذي خططت له كثيراً: سنهرب معاً إلى فنزويلا! ولأن الحب الصادق لا يعرف المستحيل، فأنا اليوم كاتب عمود «بالقطعة»، وهي لديها حساب على «إنستغرام» تبيع فيه «مالح»، وتضع أسفله عبارة تدل على أن من يترك الوطن من أجل الحب ليس سوى أحمق كبير!

* * *

لأنها الصحيفة الوحيدة التي لم تقطع اشتراكها عني في السنوات العجاف لسبب بسيط هو أنها مجانية، فمازلت أتابع تلك الصحيفة الإعلانية الأسبوعية اللطيفة، التي أجدها معلقة على باب منزلي كل يوم جمعة، هناك حقيقة ترمومتر جميل لقياس نبض المجتمع، فأهم الإعلانات هو بالترتيب: المطاعم ثم شركات الخادمات ثم شركات التكييف فمكافحة الحشرات، وأخيراً العيادات الطبية والشفط ونفخ الشفايف وخلافه، إعلانات استهلاكية لشعوب مستهلَكة، لكن ما يجذب النظر فعلاً في إعلانات السنة الماضية، هو دخول وافد جديد بقوة إلى السوق الإعلانية، وهو شركات بيع الجنسيات وجوازات السفر، خصوصاً إلى دول الكاريبي الجميلة وإقيانوسيا وكندا، الإعلانات متشابهة الصيغة مع اختلاف الجزيرة أو الدولة، هل ترغب في ضمان مستقبل أسرتك؟ هل ترغب في دخول 120 دولة بلا تأشيرة... إلخ، وأنت تعلم بأن الكثير من الشعوب العربية تعاني الأمرّين مع أمرٍّ آخر مجاناً يأتي معهما، بسبب جوازات سفرهم، ويمكنك أن تسأل أي مواطن سوري أو عراقي أو يمني أو حامل وثيقة وغيرهم، أو حتى بعض إخواننا من الأفغان أو الصوماليين عن ما يعانونه من صعوبات في الحصول على التأشيرات إلى أوروبا، وغيرها أو للحصول على تأشيرة للدراسة في أميركا أو الذهاب في رحلة عمل، الأسباب الجيوسياسية لمشكلاتهم لا تخفى، ولا يبدو في الأفق أنها ستحل بشكل سريع، لذا فإن مثل هذه العروض تمثل بالنسبة لكثيرين منهم حلاً وخلاصاً سريعاً، ويشتركون فيها، بل تدفع كل أسرة عربية مقيمة هنا إلى تلك الشركات أو الدول ما يراوح بين 200 و500 ألف درهم، بحسب الدولة والنظام والطريقة التي ستحصل بها الأسرة العربية على جواز سفر يريحها من همّ الوقوف بالسفارات، وألم تجديد الجواز في الوطن نفسه، وبحسبة بسيطة لعدد الراغبين في الحصول على تلك الامتيازات، تجد أن ملايين عدة من العرب يبحثون بشكل محموم عن هذه الحلول، واضربها في المبالغ المذكورة، فستجد أن القيمة العالمية لهذه التجارة تساوي لنقل مليون عربي، في نصف مليون درهم هذه 500 مليار درهم، أي أنه مبلغ جيد بالنسبة لشخص مثلي، أمّا إذا حسبته بشكل أدق، فستدخل في مبالغ فلكية تتجاوز ميزانيات دول عدة غنية معاً، والجميع يدفع لأنهم مجبورون.

لن أطالب بجرأة بعض زملائي الذين تعرضوا «للهشتقة» بإجراءات شبيهة بـ«الغرين كارد» الأميركي للاستفادة من هذه الاستثمارات، ولكن تجارياً وليس إنسانياً، ألا ترى بأن مشروع إقامة دولة في إحدى جزر محيطات هذا العالم الواسع، وإنقاذ هؤلاء من جوازات أوطانهم سيكون استثماراً مجدياً؟!

#عبد الله_الشويخ

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر