أبواب

جلال الدين الرومي لاجئاً

أحمد حسن الزعبي

السياسة عبارة عن عبوة «رش» رخيصة الثمن، لكنها تستطيع أن تلطّخ أي لوحة فنية جميلة خالدة، أو تشوّه واجهة معمارية رائعة، أو تترك أثراً على صرح تاريخي يمر الزمان من تحته.

بين صراعات الثلاثة الذين يحاولون شدّ «جبّة» الرومي إلى حدودهم السياسية والثقافية، يقف العرب موقف المتفرّج، كون هذا «العلاّمة» الفارقة في التاريخ كان «مرّاق طريق» في العروبة والتصوّف.

جلال الدين الرومي المولود في «بلخ» التابعة لبلاد فارس آنذاك المعروفة بأفغانستان الآن سنة 604 هجري/‏‏‏1207 ميلادي، عاش في بغداد وهو في الرابعة من عمره ودرس فيها وتنقل في بلدان عربية عدة بين سورية ومكة، ثم إلى الأناضول، ليستقر به المطاف في مدينة قونية التركية، كان عالماً بفقه الحنفية وشاعراً مرهفاً ثم متصوّفاً، ويعشق الموسيقي، اشتهر عنه أنه صاحب الطريقة «المولوية» نسبة إليه، مولانا جلال الدين، وكتب مؤلفاته بالفارسية والتركية والعربية واليونانية، ومرشح هذه الأيام لا لينال جائزة نوبل بأثر رجعي وإنما ليكون فتنة «معاوية وعلي» الجديدة.

ففي الوقت الذي سعت إيران لتسجيل ديوان «المثنوي» لجلال الدين الرومي ضمن تراثها الثقافي في «اليونسكو» للتراث العالمي، كون الشاعر الصوفي ولد في بلاد فارس، فإن تركيا سعت هي الأخرى لتسجيل الديوان نفسه ضمن تراثها الثقافي كون الديوان كتب على أرض تركيا التي عاش فيها العلاّمة الكبير جلّ حياته.. ولم يتوقف الصراع الثقافي بين إيران وتركيا على عمامة جلال الدين الرومي بل دخلت أيضاً أفغانستان على خط الخلاف، لتقول إن الرومي مواليد أفغانستان التي كانت في ذلك الوقت تعرف ببلخ التابعة للإمبراطورية الفارسية، وبما انها الآن دولة مستقلة، فيجب إعادة الحق الى أصحابه، فالعلاّمة أفغاني المولد والنشأة والنسب، ويجب تسجيل ديوان «المثنوي» في تراثها الثقافي في اليونسكو.. وبين صراعات الثلاثة الذين يحاولون شدّ «جبّة» الشيخ الرومي إلى حدودهم السياسية والثقافية، يقف العرب موقف المتفرّج كون هذا «العلاّمة» الفارقة في التاريخ كان «مرّاق طريق» في العروبة والتصوّف، وإن كان مسلماً وقطن مكة وبغداد والشام فلا وقت لدينا لتسجيل أي من تراثه المكتوب بالعربية في مكتباتنا، فلدينا أهم من جلال الدين الرومي.. كتب الطبخ والأبراج وأمم أوروبا والتأهل لكأس العالم المقبل.

ماذا لو اشتدّ الخلاف بين تركيا وإيران وأفغانستان حول الرقم الوطني «لجلال الدين الرومي»؟ ماذا لو أن ديوان «المثنوي» قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدان الثلاثة؟ ماذا لو أن جلال الدين الرومي مازال حيّاً فلمن ينحاز ولأي وطن سينتمي؟ لو أن جلال الدين الرومي حياً لكان الآن في مخيم «دوسلدورف» للاجئين في ألمانيا، فنحن نجيد الاختلاف على العظماء ولا نجيد الاتفاق بهم!

جلال الدين الرومي محل الاختلاف هو الذي قال: «ارتق بمستوى حديثك لا بمستوى صوتك، فالمطر الذي ينمّي الأزهار وليس الرعد». ها هو يجلس على حقيبة سفره كأي شرقي منتظراً تأشيرة مرور.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر