مزاح.. ورماح

«قليل من الكآبة..!»

عبدالله الشويخ

لدى برنامج أو موقع أو نظام التواصل الاجتماعي «فيس بوك» مبادرة لطيفة، حيث إنه وبلا مقدمات، وتحت عنوان: «صفحات من الذاكرة»، يرسل إليك فجأة صورة لك قبل خمس سنوات.. ويبتسم (إذا كنت تشعر بابتسامة السخرية الإلكترونية)، وهو يقول لك: لقد قمت بتصوير هذه الصورة قبل خمس سنوات من اليوم تماماً..!

بالمناسبة، أصدر أحد مراكز البحوث الجادة، بجامعة محلية مرموقة، دراسة عن المجتمعات البديلة، اسمها «كتاب الأوجه»، لأكتشف بعد صفحات عدة أنها دراسة عن «فيس بوك»!.. المهم أن المبادرة اللطيفة من «كتاب الأوجه» إذا صحت التسمية مرعبة في الحقيقة!.. حينما بدأ كل الأصدقاء يرسلون تلك الصور التي مرت عليها خمس سنوات إلى الآخر.. صدمتنا الحقيقية ما الذي حدث في الخمس سنوات الأخيرة؟!.. ما القنبلة الحضارية أو الفكرية أو الممارساتية، التي أصابت العرب في الفترة بين 2010 - 2016.. الأمر أشبه بالدخول في مغسلة بحوض واحد، والتعرض لعملية تجفيف مزدوج.. ذلك الصديق الذي كان مضرباً للوسامة، أصبح حزين الملامح بشكل لا يوصف.. ذهبت تلك الهالة السحرية التي يسميها اللغويون «النضارة» بلا سبب واضح.. أشكال الأجساد تغيرت بشكل غريب، كأنها حقنت بهرمون للانتفاخ.. من الوجوه إلى السيقان.. الوجوه تحمل هماً لم يكن موجوداً!

مصيبة السنوات الخمس السود الماضية في أنها لم تغير فقط أنماط الفكر.. ولم تأتِ «بأهول» ما كان يحلم به الحالمون في أسوأ كوابيسهم، بل في أنها أيضاً قامت بخفض معدل السعرات الحرارية، التي يحتاجها الشخص للبقاء على قيد الحياة من الـ2500 إلى أقل من 200 سعرة حرارية يومياً.. فحتى حركة تقليب صفحات الجريدة لم تعد موجودة.. هناك حتماً رابط كبير بين انتفاخ الأجساد والثورة التقنية، التي جعلت إصبعي السبابة والإبهام (في حالتي على الأقل) هما الجزء الوحيد المتحرك من الكائن!.. سأستغرب فعلاً لو عرفت أن هناك من يعبث بهاتفه المتحرك بواسطة أصابع أخرى!

دع عنك أن معايير البشاعة قد تغيرت.. أتذكر صورة مشهورة، نشرت في صحفنا في بدايات التسعينات، حينما كان مجند من ميليشيا «التشتنيك» الصربية يركل مسلماً مسجى على الأرض.. في تلك الأيام لم ننم لأيام من بشاعة الصورة.. لكن اليوم حينما تنظر إليها مرة أخرى ستحس بأن قلب «الميليشياوي» كبير.. وصدره واسع.. وتعامله مع الأسير مفرط في الحنان!.. تود أن تهديه وسام التعامل الطيب، بالنظر إلى ما تعرفه عن ممارسات «ميليشياوية» أخرى!.. لهذا تفجرت الأنهار البيضاء في رؤوس القوم، والأخاديد السوداء في وجوههم..!

يقال إن السعادة تنتقل بمشاركتها.. وأعتقد أن الكآبة كذلك، فلماذا أحتفظ بها لنفسي؟! افتحوا حساباتكم في «فيس بوك».. وانتظروا الرسالة الجميلة لذكرى خمسية.. وقارنوا صوركم وأشكالكم وكروشكم!.. تستحقون ذلك!.. قليل من الكآبة لا يدفع إلى الانتحار!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر