أبواب

الراعي والقطيع..

أحمد حسن الزعبي

أنتظر بفارغ الصبر أن يكمل أولادي امتحاناتهم النهائية، أعتقد أن المدّة المتبقية ستكون كافية لاتخاذ القرار، وإذا عزمنا الأمر فسنترك الشهادات في غرفة المدير ونغادر إلى غير رجعة.. صحيح أن الموضوع لايزال قيد الدراسة، لكنّي متحمّس جداً للفكرة، فالمرء يعيش مرة واحدة في حياته، ولا داعي لأن يقضيها في «حرق» الأعصاب والاضطراب النفسي، بسبب الأحداث السياسية والركض وراء لقمة العيش.

تقول التقارير إن بدو الهيمالايا لا يعرفون النقود حتى اللحظة، كل تجارتهم تبدأ وتنتهي في المقايضة، كما أنهم لم تصلهم التكنولوجيا بعد، لا مذياع، لا تلفزيون، لا هاتف ذكياً، هم يعيشون كما يجب أن يعيش الإنسان الحقيقي، بسيادة كاملة.

الحياة أسهل من ذلك بكثير، سأشتري من سوق «الفرواتية» «نصف دزينة» من الفراء: رجالي، ستاتي، محير، ولادي، بناتي «لي وللعيال».. كما سأشتري نصف دزينة من «الجزم» الطويلة من سوق «الجزماتية» أيضاً للفريق المهاجر نفسه، وبعض أغطية الرأس والرماح ذات الرؤوس المدببة المستخدمة في الرعي، وكثيراً من التبغ العربي الحار.. سنرتدي ملابسنا الجديدة ونحن في صالة الانتظار قبل الإقلاع إلى «التبت»، حيث يعيش هناك «خوالنا» بدو الهيمالايا في أعالي جبال منطقة «تشانغ تانغ».. على الحدود الهندية التبتية؛ هناك لا طبقية ولا نفوذ، لا سياسة ولا حروب، كل القبائل هناك تعمل في الرعي والزراعة، حيث يقضي السكان معظم أوقاتهم في البحث عن الأعشاب للماعز في الجبال الثلجية، كواحدة من أمتع مراحل صراع البقاء.

بدو الهيمالايا اضطروا للعيش في تلك المنطقة النائية والمرتفعة، بعد الغزو الصيني في منتصف القرن الماضي، يعيشون وحدهم هناك بمعزل عن العالم كله، لا يفكرون في الاندماج، ولا يغريهم التطور، هم تأقلموا مع مسالمة الأرض والناس، وها هم يقطفون زهرة السعادة بسبب السلام الداخلي والحريّة المطلقة والاستقلال في القرار، لا أحد يكشف سرّ سعادتهم في هذه المنطقة الباردة من الكوكب المشتعل. تقول التقارير إن بدو الهيمالايا لا يعرفون النقود حتى اللحظة، كل تجارتهم تبدأ وتنتهي في المقايضة، كما أنهم لم تصلهم التكنولوجيا بعد، لا مذياع، لا تلفزيون، لا هاتف ذكياً، هم يعيشون كما يجب أن يعيش الإنسان الحقيقي، ببرية مطلقة، وبسيادة كاملة. سأتخذ كوخاً صغيراً بينهم، أشعل ناراً خفيفة وقت الغروب، وأطلق على نفسي اسماً «تبتياً طويلاً» بما معناه: «العربي الصغير الهارب من وطنه الكبير»، هناك سأقايضهم؛ أربعة رؤوس من الماعز وتيساً لزوم التكاثر بـ«ماكنة حلاقة» على بطاريات، سأصبح مثلهم وأصنع جدائل لطفلتي مثل أطفالهم.. سأنحني لكل المارين بسلام، وأطبق كفي «التحية» كلما رأيت كبيراً أو سيدة أو جاراً قريباً، هناك لا أخبار عن الحروب، لا أخبار عن الفساد والسمسرة، لا مواقع تواصل اجتماعي إلا في المراعي المتجمّدة، حيث تكون الحياة الحقيقية. هناك سأرتقي من رتبة «رأس في قطيع عربي»، أمارس الثغاء عند الجوع والعطش فقط، إلى راعٍ متوّج بإكليل غار.. سأكون سيداً حراً ملكاً.. أملك كامل الصلاحيات في قيادة قطيعي الجميل.

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 
 

تويتر