مزاح.. ورماح

«هذه القهوة.. مرة!»

عبدالله الشويخ

كنّتُ صغيراً على القهوة.. لكنْ.. ذاتَ مرةْ..

ذقتُ فنجانَ أبي.. قلتُ: أبي هذه القهوةُ مُرّةْ..

يا أبي باللهِ سُكّرْ.. قال دعها لستَ مجبرْ..

قال جدي باسماً: مازال طفلاً.. وأخي الأصغرُ.. يرمى غمزةً نحوي ويسخرْ..

وأنا من خجلي.. أصبحتُ أصغرْ..

بالطبع فأجواء القهوة في قصيدة صالح الحربي الشهيرة هي تلك القهوة التي «كنا» نعرفها، ولكنها الآن ارتبطت بعدد من الرحلات البرية التي نحاول فيها تأكيد ملكية ما نحمله من «دي إن إيه»، أو لأننا نحس فعلاً بأن صورة الدلة والجمر أسفلها والخلفية الرملية المميزة تلك، وألوان الجلسة العربية تكون أجمل عند وضعها على «إنستغرام» فقط ليس إلا! وأمّا الحقيقة فهي أن المزاج لا «يتقند» إلا بكؤوس تحمل أسماء لم يسمع بها الأجداد، بدءاً من «الإكسبريسو»، وليس انتهاء بـ«الموكاتشينو»! أنت تعرف كيف تقيّم الشخص بالطبع حين تسأله ما الذي تحب أن تشربه؟! فإن قال: قهَّوة بفتح وتشديد الهاء وضعته في القائمة السوداء، على عكس ذلك الراقي الذي يقول لك، «لايت موهاتشينو وذ لتل كريم أند كليفليوم»، تحس بأنك تحسده على الجدول الدوري الذي ينطقه بلا أخطاء!

كان فنجانُ أبي في المنتصفْ.. رفع الفنجانَ هوناً وارتشفْ.. رشفةً أولى.. وأخرى في شغفْ..

الأمر ليس له علاقة بالموروث فقط، ولكنها صورة السعادة الحقيقية التي يطمح إليها كل «شارب» وكل «نديم»، فالصورة النمطية للسعادة لم يعد فيها مكان لرجل متكئ على «تكاية» لابساً «فروة»، ويقلب البن على «النار»، ولكنها صورة لرجل لامع الثوب والضروس يتبادل عدداً من وجهات النظر مع «زميلة» في العمل وهو يحتسي من كوب عملاق، ولهذا فليس من المفاجأة أن تعلن علامة تجارية مثل «نيسبريسيو» بيع أكثر من 20 مليار عبوة خلال أقل من أربع سنوات.. شريبة!

أنت لا ترى مشكلة في أذواق الناس وتشعر بأنني فضولي وحسود! لا بأس.. ولكنني أستطيع أن أعطيك تكنيكاً يجعلك تخرج جيناته الحقيقية، بسهولة، اجلس أمامه وهو يشرب، وقل له بأن الألمان طلبوا من الجهات الرسمية في ألمانيا أن تحصّل مبالغ ضمان تشبه تلك التي كنا ندفعها صغاراً لضمان إعادة غرشة البيبسي، أو تلك التي ندفعها الآن لضمان إعادة صينية الكنافة، هذا الضمان الذي يطالب الألمان بدفعه إلى «نيسبريسيو» لكي يجبروا أنفسهم على إعادة ملايين العبوات، وبالتالي الحفاظ على البيئة، أخبره بذلك واسمع ما يسرك، هذا في حال نجا وجهك من قهوته!

ثم قال: يا بنيَ هذه القهوةُ.. تُدعى العربية.. قد ورثناها من التاريخ ِ.. سمراءَ نقية..

فتعلّمْ كيف تصبرْ.. كلَّ مرة.. يا بنيَ.. قهوةُ الأجدادِ حُرَّة

أيُّ طعمٍ ٍ.. يتبقى عندما لا تصبحُ القهوةُ.. مُرَّة..!

Twitter:@shwaikh_UAE

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر