5 دقائق

مطلب السعادة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

السعي لتحقيق السعادة أمر تقتضيه الجِبِلَّة البشرية والتكوين الإنساني، فأبو البشرية آدم، عليه السلام، هو أول من سعى إليها، فحينما غرَّه إبليس أن الأكل من الشجرة التي نهاه الله تعالى عنها سيحقق له السعادة وقال له: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى}، ونسي عهد الله له أن سكناه الجنة كان لإسعاده، وقد ضمن له المولى توفيرها؛ لعلمه سبحانه حاجة البشر إليها وقال له: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا}، وطمأنه بكمال سعادته بقوله: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى* وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى}.

الإسلام كله ينشد السعادة للمسلم، فلو أنه اتبع هديه لهدي إليها من أوسع أبوابها.

وجاء الإسلام فدعا إلى توفيرها، فأباح الطيبات وزينة الحياة الدنيا، وأباح للناس السعي إلى تحقيقها، وكم ألّف علماء الإسلام من مؤلفات تدعو إلى تحقيق السعادة؟! ككتاب سفر السعادة وسفير الإفادة لعلم الدين السخاوي ت 643هـ، ومفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة لابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ)، وكيمياء السعادة لأبي حامد الغزالي (المتوفى: 505هـ)، وغيرهم كثير؛ فلا بِدع إذاً من أن تكون السعادة من أولويات ولاة أمرنا، حفظهم الله؛ لأنهم بذلك يحققون المبتغى البشري.

وقد جعل الإسلام تشريعاته كلها تحقق السعادة الحقيقية التي يحتاجها البشر ويطلبونها؛ فالإيمان بالله تعالى هو لإسعاد المرء بلذَّة التوحيد والأنس بالخالق سبحانه، كما صح في الحديث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً»، والعبادات كلها تحقق السعادة للمرء؛ فالصلاة الخاشعة هي قرة عين المؤمن، وفيها صلته بربه، وفيها لذة مناجاته، والاقتراب الروحي والمعنوي منه سبحانه، والزكاة فيها سعادة تطهير النفس من شؤم الشح والبخل والأثَرة، وهي تحقق إسعاد الآخرين الذين يشاركون المزكي في العيش، فيسعدونه برضاهم عنه، وعدم حسده، أو البغي عليه، والصيام فيه إسعاد للإنسان في سياحته في ملكوت الله، وإسعاد للجسم بتخليته مما يعانيه من التخمة، والحج فيه إسعاد للمؤمن بتلبيته نداء الله وعيشه مع المؤمنين من مشارق الأرض ومغاربها بتآخٍ ووئام، وكم يجد المسلم من لذة وهو يتجول في المشاعر مع ما في ذلك من تعب جسدي، وهكذا كل معروف أو برّ أو إحسان هو لتحقيق السعادة النفسية والمجتمعية ، فيعيش المؤمن في سعادة غامرة مع الإيمان، حتى ما يصيبه من نصب أو وصب أو نكد الدنيا أو كيد الأعداء وخصومتهم، فإن المرء يحقق معها السعادة الأخروية إن صبر واحتسب، ويجد السعادة الكاملة عند لقاء ربه حينما يلقى ثواباً عظيماً لعله ما كان له أن يدركه في غير تلك المصائب، كما قال صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له».

فالإسلام كله ينشد السعادة للمسلم، فلو أنه اتبع هديه لهدي إليها من أوسع أبوابها، ولاسيما سعادة العيش الهني التي جعل الله وسيلتها الاستقامة على شرعه وهدي نبيه، صلى الله عليه وسلم، كما وعد بذلك بقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.

ولا يقال بأن كثيراً من غير المسلمين يعيشون عيشاً رغِداً، فالجواب نعم يعيشون ولكنّ كثيراً من هؤلاء لا يشعرون بشيء من السعادة، فهم في قلق دائم، وإذا استحكم القلق فضلوا الانتحار، لفقدهم لذة العيش، بينما المؤمن هو سعيد برضاه عن الله في ما قسم له وفي ما أعده له، وإذا ضاقت الدنيا عليه علم أنها زائلة وأن الدار الآخرة لهي الحيوان.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر